اول زيارة الى المغرب

 

ذاكرة الايام .. اول زيارة الي المغرب

اول زيارة لي الي المغرب كانت في اكتوبر عام. ١٩٧٣ ، ورأيت كل شيئ فيها. مختلفا عما كنا اعتدنا عليه ، التقاليد والاعراف وانماط الحياة. واطباق الطعام واللباس. ، نزلنا في فندق حسان اجمل فنادق الرباط ، انه. يذكرك بتاريخ المغرب وتراثه المتأثر. بالتراث الاندلسي بسبب الهجرات الاندلسية الى المغرب بعد سقوط. الاندلس. ، وعرفت الجلابة والسلهام والبلغة والكسكس والبسطيلة والموسيقي الاندلسية. وفن الملحون ، تراث مغربي متنوع. المصادر من الامازيغية والعربية.,  وحافظ المغرب عليه حتي اليَوم على تلك التعددية ْ ، المغرب هو البلد الوحيد الذي لم يحكمه اي بلد اخر ، واحيانا كان يمتد سلطانه شمالا وجنوبا وشرقا ، وكان يقاوم. المحتل. دفاعا. عن خصوصياته. الاسلامية. التي ما زال يتمسك بها للدفاع عن نفسه . ، كان من المدعوين الي الدروس الحسنية في تلك السنة شيخ الازهر الدكتور عبد ااحليم محمود. والشيخ محمد الغزالي والشيخ حسنين مخلوف ، والحبيب بلخوجة مفتي تونس والدكتور صبحي الصالح. والاستاذ محمد المبارك ، ضيوف الدروس الحسنية هم ضيوف الملك ، وضيوف الملك هم ضيوف المغرب كله ، ومن تقاليد تلك الدروس ان كبار مساعدي الملك يكرمون العلماء في بيوتهم ويتناولون طعام الافطار معهم تعبيرا عن التكريم ، ابدي الدكتور عبد الحليم محمود رغبته في زيارة ضريح الصوفي الكبير سيدي عبدالسلام بن مشيش في احد الجبال النائية ، امر الملك ان تنقله طائزة هليكوبتر الي ذلك المكان. ،. واصيب الدكتور عبد العزيز خياط وزير الاوقاف الاردني بنزيف فنقل الي فرنسا حالا للعلاج بامر من الملك ، كنت الاصغر سنا بين المدعوين ، وشعرت بالحرج والرهبة ، وذهبنا الي مجلس الدروس في القصر الملكي ، كان مجلسا مهيبا بكل المعايير ، كان الملك يجلس في صدر المجلس ، وعن يساره كل الوزراء وقادة الجيش وكبار رجال الدولة ، وعن يمينه كل سفراء الدول الاسلامية ، وامامه يجلس العلماء ويجلس الضيوف في الصف الاول امام الملك، مجلس مهيب لم اجد مثيلا له هيبة. وروعةوالكل يجلس علي الارض . ، ولا يمكن ان يكون هذا المجلس . بغير المغرب ، لانه جزء من تاريخ المغرب ، وله تقاليده واعرافه ، تذكرت صورة مجالس الخلفاء من قبل ، وكتبت عن ذلك ، شعرت لاول مرة بهيبة المكان وهيبة الحديث فيه ، وكان الشعب المغربي كله يتابع تلك المجالس التي تعقد خلال شهر رمضان قبل الغروب ، عندما يقترب الملك تسمع من بعيد صوت خدم القصر وهم ينادون :،الله يطول بعمر سيدي ، ايذانا بوصوله ، ويقترب الصوت الي ان يدخل الملك الي مكانه ، كان الحسن الثاني يجمع بين هيبة السلطة وهيبة العلم معا. ، ولَم اجد افضل منه سماعا وفهما واصبر منه في تلك المجالس العلمية ، تكلم الاستاذ عبد الله كنون رئيس العلماء ، ثم تكلم في اليوم الثاني زعيم التحرير الاستاذ علال الفاسي ، كل المغرب كان ينصت ، انه الزعيم الوطني الاول في المغرب ، انه يخاطب الملك ، كل كلمة لها دلالة ، رسائل متبادلة. لا احد يفهم دلالتها ، وجاء اليَوْمَ الثالث ، ودخل الملك متجهم الملامح  علي غير عادته ، هناك أمر كبير ، شيئ ما يحدث , وامتدت الاعناق ، وتناول الملك الكلمة. ، واعلن ان الحرب قد بدأت. قبل قليل بين العرب واسرائيل ، كان ذلك في العاشر من شهر رمضان. عام ١٩٧٣ ، وهناك جيش مغربي في الجبهتين ، وطلب من الجميع ان يردد كلمة :  ياقوي ياعزيز ، مأئة مرة ، كان المغرب كله يردد تلك الكلمة ، واعلن الملك عن توقف الدروس بسبب متابعته. لاخبار الجيش المغربي في الجبهتين السورية والمصرية ، وانتهت الجلسة ، وعدنا الي الفندق ولا حديث الا عن الحرب واخذنا نتابع اخبار الحرب ، وفِي اليَوْمَ الثاني اتصل بي وزير القصور الملكية واخبرني ان الملك يريد ان يسمع غدا درسك وهو الاخير ، لا ادري لما ذَا اختارني بالذات لكي  اتكلم في ذلك اليَوْمَ ، شعرت بعبء المسؤولية وعبء  الكلمة في ظل. الانفعال الناتج عن الحرب ، كانت الاعصاب مشدودة ، وذهبنا الي القصر كالعادة ، وجلست في المكان المخصص للمتكلم ، وجلس عن يساري السارد الذي يقدم الدرس بصيغة مألوفة. وبلهجة مغربية. ، تقليد قديم وعرف يتجدد العمل به كما كان من قبل. ، الجديد فيه انه اصبح. موسما ثقافيا. يتابعه المغرب كله بعد ان كانً مجرد مجالس علمية خاصة ، واصبحت تعرف بالدروس الحسنية نسبة الي الحسن الثاني ، وما زالت تحمل نفس التسمية حتي الان ، تقدم نحوي رجل لم اكن اعرفه من قبل ، واخذ مكانه الي جانبي ، هو علامة المغرب المحدث والشاعر الشيخ عبد الرحمن بن شيخ الاسلام ابي شعيب الدكالي ، وقال لي كلمة خاصة. احتفظ بها لنفسي ، كان في السبعين من العمر ، ولمدة عشر  سنوات بعد ذلك اليَوْمَ كان الشيخ الدكالي هو الاقرب لي الذى اثق به بغير حدود ، وهو حامل الرسائل السرية الاولي وكان الاكثر اخلاصا لى حتي النهاية. ، وتحدثت عنه كثيرا ، وكان الاول في كل المواقف التي صادفتها. ، فيما بعد ، بعد عشر سنوات توفي في المدينة المنورة وحزنت عليه. والقيت كلمة فى حفل تأبينه ، وقد اخترت موضوعا للدرس هو الفكر الاقتصادي في الاسلام ، وهو الموضوع الاهم بالنسبة لي. في تلك الفترة ، وكان الصديق الوزير الشيخ مكي الناصري خائفا وقلقا ، لقد تحمل مسؤولية الترشيح واحسن الظن بي ، وكان يشعر انه بتحمل كامل المسؤولية ، اشار الي بكلمةً هامسة. واشارة تشجيعية. من يده ، ودخل الملك واخذ موقعه في صدر المجلس ، ووقف الجميع احتراما ، ورايت الزعيم المغربي علال الفاسي يجلس قريبا امام عمود ، كان فارس المواقف حاد الذكاء ، وابتدأ السارد في سرد مقدمته المعتادة ، واعطاني الملك اشارة البدء في الدرس ، وكنت أعددت بعض الافكار. في ذهني. ، واهمها شرح فكرة الحق كمنطلق لفهم. معني الملكية والمال. وكل دلالات فكرة الحق ، وتحديد المفاهيم وضبط دلالاتها العلمية ، وكان لا بد من بداية ونهاية لذلك الدرس ، ثم يكون الشرح المبسط. الهادف المنضبط من منطلق. علمي ،. كنت ادرك. اهمية التوازن لانني اخاطب مجتمعا متعدد الثقافات,  وكنت اخاطب الجميع ، ولا بد الا ان يصل الموضوع الي جميع المخاطبين ، عندما بدأت زال من نفسي الشعور بالرهبة. . ولَم اعد اشعر بتلك الرهبة  ، كان الملك ينصت باهتمام ويتابع وكانه لا يشغله أي شيء ، ولَم أجد من هو اقدر منه علي الفهم. وتتبع كل الجزئيات ، ولَم اجد احتراما للعلم ولحرية. العالم كما شعرت به في تلك المجالس ، شعرت بذلك اليَوْمَ بشموخ العلم. كما لم اشعر به من قبل ، انت تخاطب كل المجتمع ، والكل ينصت ، الكلمة تنبت وتورق وتزهر ، ولاول مرة اشعر باهمية الكلمة ، كنت اشعر في المؤتمرات كمن يخاطب نفسه في غرفة مقفلة ، وتموت الكلمة. قبل ان تخرج ، فلا احد يهتم بها ، اعترف انني. شعرت بسعادة لم اشعر بها من قبل في كل محاضراتي ، تكلمت بحرية عن كل ما اؤمن به من غير قيود ، قلت ما كنت افكر فيه ، شعرت انني اؤدي امانة وابلغ رسالة ، وتركت نفسي علي سجيتها كما انا. ، وعندما انتهيت تقدمت للسلام علي الملك كما هي العادة. ، لم اجد في حياتي شخصية دافئة العواطف. راقية التعبير كالحسن الثاني في ادبه الاجتماعي واحترامه للعلم ، علق علي كل فكرة واشاد بما سمعه ، وقال لي اريد ان القاك ، وطلب مني ان أكتب له عن فكرة المجمع الفقهي الذي اقترحتها في كلامي ، واستدعي سفير الكويت وقال له اريد ان تمدد اجازته لكي يزور المدن المغربية ، ويلقي محاضرات فيها ، وكانت تلك هي البداية لحقبة جديدة لم اعمل لها. ولَم افكر فيها ، سوف تبدأ بعد اربع سنوات من ذلك التاريخ. , وابتدات رحلتى الى المدن المغربية ..

 

( الزيارات : 445 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *