تاملات عابرة

كلمات مضيئة..تاملات عابرة  

عندما تجاوزت سن الطفولة وفى سن الخامسة عشرة من عمرى شعرت بتغير كبير فى حياتى , لم اعد كما كنت , كل من حولى ادرك ذلك التحول , اصبحت كثير التامل محبا للعزلة , لم يشغلنى ماكان يشغل كل زملائى ,  تضايقت من ذلك الشعور , لم اكن كالاخرين ابدا , بدا كل من حولى يتساءل عن سر ذلك التغيير , لم اعد متفائلا كما كنت و فى كل مساء اخلد الى نفسي متسائلا عن سر ما انا عليه , حاول بعض من حولى ان يمسك بيدى , كنت ارفض كل يد ممدودة لى , اصبحت اشعر اننى لست انا كما كنت من قبل , لم يكن ما بي مراهقة طفولة , لم اكن اخرج مع امثالى من الاطفال , كنت اشعر بالانس عندما ياتى الليل ويحل الظلام , انس غريب قد يمتد الى الفجر , كنت كعصفور اراد ان يحلق بعيدا , كنت ناقدا لنفسي اولا , وناقدا لكل ما كنت اراه من قبل ثانيا , هناك شيء ما ابحث عنه , لست اعرفه لكي ابحث عنه , كان لدي شعور ان الله معي وهو قريب منى , لم  اكن اريد وسيطا بينى وبينه , ولا ارى ما يراه العامة من الشفاعات , فالله تعالى هو اقرب مما يعتقدون وابعد عما يتصورون و يظنون , لم اعتقد اننى على حق ابدا فيما انفردت به لنفسى  , وغلبت علي مشاعر التحدى ومواقف التمرد , كل شيء كان خاضعا للتامل , لا شيء مما كنت اراه من الافكار والعادات والمواقف لا يخضع للتامل النقدى فيه , انكرت الكثير الكثير مما كنت اراه , كان لدي تساؤل متجدد , اين الحق الذى نبحث عنه واين الحقيقة  , كان الانفعال الداخلى اشد مما يظن الحميع حولى , كان التامل والصمت والانكار الداخلى , لم اتعلم شيئا من الكتب سوى ما قرات فى دراستى , اشياء كثيرة مما تعلمته لم يقنعنى فكرا ولا دليلا ولا منهجا  , كنت افهم شيئا اخر احتفظ به لنفسي , لم اجد مبرر ا لقداسة جهد بشرى تختلف قيمته ولا يتجاوز عصره , عندما كنت اقرأ القرآن كنت اجد فيه مالا اجده فى كل كتب واراء المفسرين والمجتهدين , واستغنيت به عن كل ما عداه ,  لا انكر جهد العقول فيما اسهمت به , وهو جهد محمود لا بد منه للتوثيق , اما الاستدلال فكنت احتفظ به لنفسي كحق لا افرط فيه , اقتنعت ان معظم تراثنا العقلى يعبر عن عصره , لا انكر جهد الاخرين ولكن لاقداسة له , احداث التاريخ المروية فى كتب المؤرخين تفتقر الى استعمال العقول لتخيف التجاوزات والمبالغات وهي كثيرة , ما جاء به  النص عن طريق النبوة فهو حق وصدق لانه من الله , وما تجاوز ذلك فهو تحت المجهر العقلى نختار منه ونترك  , رأيت تراث الفقه ولم ار سوى القليل من الفقهاء , لا قصور فى العقول اذا استخدمت , واذا عطلت كانت التجاوزات  والشطحات والتوهمات , ما لا يفيد يجب الاستغناء عنه  , لا الوم احدا فيما ترك من فكره واثاره , فهذا حق لهم ولا تجاوز للحقوق , ولكن ما يعنينى ما ارتبط منه بفكر امة والبحث عن اسباب نهوضها , وهي لن تنهض بماهي فيه من تراكمات تاريخية معظمها لا تعبر عن اضافة مفيدة , تراثنا الفلسفى والكلامى والفقهي يعبر عن مرحلة تاريخية ثم ترقف كل شيء , مازلنا ابعد مانكون عن الاسلام الحقيقى فى اصوله ومقاصده وروحه , اسلامنا لا صلة له بالتصور الاسلامى الذى اراده الله لعباده , ماليس من الدين فلا ينسب اليه ..

هذه تاملات كنت افكر فيها وكانت تزداد عمقا مع تعاقب السنين , نحتاج الى فهم لمعنى الدين والى علاقة اوثق مع الله والى استقامة وعدالة وطهارة قلوب  , نريد الدين ولانريد ما ينسب الى الدين من شعارات ومظاهر وسلوكيات , لا نريد الدين مطية للطامحين ولا سلما للمتعطشين الى المال والسلطة والجاه وهذا كثير فى تارخنا وحاضرنا وهو سيستمر ما دمنا فيمانحن فيه  , وكنت اتساءل متى يمكننا ان نكون افضل , اذا لم نتمكن ان نلحق بالمسيرات الصاعدة فعلى الاقل ان نتميز بخلق وادب واستقامة فى سباق الامم وموازين التقدم ,.ز

 لم اشعر قط  اننى افضل من الاخرين ولست افضل على وجه التاكيد , الا اننا يجب ان نحاسب انفسنا عما نحن فيه , ازماتنا تتجدد وتزداد وضاقت ارضنا بابنائها من المستضعفين , ما زالت قيم الجاهلية تتحكم فينا وعقلية القبيلة تمسك بزمامنا والجهل متمكن منا وراسخ فينا ,

كنت اؤمن اننا نحتاج الى تجديد المفاهيم وتحديد المصطلحات وضبط دلالاتها لكي لا نقيس مالا يقاس ,  فلا الاصول واضحة المعالم ولا الفروع هي ثمرة منطقية لا صولها , ما زلنا نمشيى فى متاهة من امرنا ونظن جهلا اننا من المهتدين ..

( الزيارات : 554 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *