حرية البحث العلمى

ذاكرة الايام.. حرية البحث العلمى

معظم المهتمين فى البحث العلمى  يشعر ان البحوث العلمية مازالت تعانى من قصور فى المناهج  ومن تعصب وتقليد وتكرار ولا تضيف الجديد الذى يحتاج اليه البحث العلمى  لكي يتطور ويضيف ويكون اكثر تعبيرا عن حاجة مجتمعه , التكرار ظاهرة لم يستطع البحث العلمى ان يتجاوزها , ليس المهم ان تكون صفحات البحث كثيرة وان تكون مصادره بالمئات من المصادر المعتادة , لا بد من اختيار الموضوع اولا , ليس كل موضوع يصلح للبحث , عندما لا تضيف شيئا الى ما كتبه من هو قبلك فانت ناقل لجهد غيرك ومعتمد عليه , كنت اسأل طلابى عمايختارون  هم في الموضوع الذى يبحثونه , كنت اعتبر اختيار الموضوع هو المؤشر الاهم للنجاح فى البحث , كل الباحثين يمكنهم ان يجمعوا مادة علمية ولكنهم مكلفون بدراسة هذه المادة والتامل فيها وبيان النتائج التى توصلوا اليها , هناك مسؤولية لا يمكن تجاهلها وهي البحث الجاد الذى يضيف جديدا او يجيب عن تساؤل , ليس من الضرورى ان ان تكتب ما يريده غيرك منك , انت مسؤول ومكلف وانت من سينسب البحث اليه فاحسن فيما تختار لبحثك , المهم ان تكون باحثا جادا متميزا فى اضافتك واختيارك لمنهجك ولا حدود للكمال , الباحث لا حدود لحريته فيما يبحثه , لانه باحث عن الحق وليس مقلدا ولا تنمو البحوث العلمية الا بتوفير الحرية الكافية للباحثين وللمؤسسات العلمية , ولاوصاية على البحث العلمى , كنت احترم حرية الباحث,  والباحث مؤتمن على الحقيقة كما تترجح له , ما زالت الحرية منقوصة وهناك من يتتبع الاخطاء ولو كانت متوهمة او مظنونة ليجعل منها قضية تسيء بها للباحث او يتهم فيها  ظلما , وكنت اكره هذه الظاهرة التى تقيد حرية الباحث , وقد امتحن الكثير من اعلام تاريخنا بسبب ارائهم ..

ومرت بى مواقف كثيرة ولم يكن بامكانى التغلب عليهابسهولة وما زالت اليوم كما هي بسبب منهجية التقليد المسيطرة وعد الثقة بالبحث العلمى  , وكنت مع حرية البحث وكرامة العلم والعلماء , ما زلت اتذكر موقفا عندما كنت مسؤولا عن دار الحديث الحسنية وكنت ارقب البحوث العلمية واوجه اصحابها , كنت اوجه طلاب الدار وهم من العلماء لكي يختاروا البحوث الجادة وكنت اشجع على ما اراه الافضل علميا بحسب ما يترجح لى , كنت اشجع البحوث الجادة التى تضيف ماهو مفيد وما يحتاج الى دراسة واهتمام , لم تكن تعجبنى البحوث المكررة ولا البحوث التى لا تتوفر فيها شروط البحث العلمى الرصين , قبلت الكثير من البحوث ورفضت الكثير , لست على حق دائما , ولكننى كنت املك الحجة التى تبرر لى ما اختاره.ز

و ذات يوم جاءتى طالب من طلابى  وكنت اعرفه جيدا واعرف استقامته وتقواه , وهو من مدينة حلب ومن اسرة علمية واقترح علي ان يبحث فى موضوع  اطروحته فى الدكتوراه وقدم لى تقريرا علميا عن موضوعه , اعجبنى موضوعه وكان بعنوان:  منهج نقد المتن عند علماء الحديث , وقد تم تسجيله باشرافى العلمى , امضى تلاث سنوات فى اعداده , ولما انتهي منه شكلت له لجنة علمية لمناقشته وكانت اللجنة برئاستى نظرا لاننى المشرف , فو جئت ان احد اعضاء اللجنة العلمية التى ستناقش الاطروحة اخذ يتكلم فى مجالسه الخاصة  عن هذا البحت العلمى الذى يتضمن اساءة للحديث وتشكيكا به , وكبرت الاشاعة , وقد ساءنى ذلك ان يكون اشاعة مسيئة ,  وقلت فى نفسي لعله على حق فيه , واستدعيت احد اكبر المختصين فى علوم الحديث وهو الدكتور ابراهيم بن الصديق الغمارى علامة طنجة ومن الاسرة التى اشتهر علماؤها بالحديث رواية ودراية وطلبت منه ان يقرأ هذه الاطروحة ويعطينى رأيه العلمى فيها,  فاذاكان فيها ما يسيء فسوف نرفضها واذا كانت قد استوفت كل الشروط العلمية فمن الظلم ان نتهم صاحبها بالاساءة , وبعد الاطلاع عليها اخبرنى انها رسالة علمية ملتزمة وان كل ما قاله البحث فيها قاله علماء الحديث من قبله , عندئذ استدعيت هذا الاستاذ وطلبت منه ان يبدى رأيه صراحة فى المناقشة ويكون النقاش العلمى علنيا كما هو الشأن فى مجالس العلم  , وقبل الاستاذ بذلك , وتمت المناقشة وقال الاستاذ ما يراه , وطلبت منه ان يقدم كل ملاحظاته لكي يتم الاخذ بها واصلاحها فيما بعد ,  وتم اقرار النتيجة ومنح الدرجة العلمية للباحث على بحثه واظن ان هذا البحث قد طبع فيما بعد ,  وهو من الموصوعات العلمية الهامة , وما زال صاحب البحث موجودا وربما  يقرأ هذه الكلمة ولا اود ان اذكر اسمه فلعله لا يريد ذلك , والمهم فى الموضوع ان نحترم حرية البحث العلمى وكرامة الباحث , لا احد يريد التجاوز والانحراف ولكن من حق اهل العلم ان يناقشوا القضايا العلمية بحرية بما يخدم هذه العلوم وينهض بمستوى بحوثنا لكي تكون اداتنا للنهوض العلمى وبخاصة فى العلوم الاسلامية..

( الزيارات : 913 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *