دمشق والحياة الجامعية

ذاكرة الايام . .. دمشق. والحياة الجامعية

كانت دمشق في فترة الخمسينات من القرن الماضي  من ابرز العواصم العربية. التي. تعبر عن. تطلعات هذه الامة ، وكانت جامعة دمشق. منارة.علمية. حقيقية , وتضم افضل الكفاءات. العلمية والقيادات الثقافية من كل. الاتجاهات الفكرية ، كان التدافع قويا للتعبير عن الذات كما براها كل فرد ممن يبحث عن الطريق ،. وكان الكل يحترم الكل ولو كان مخالفا له ، وبتجلي ذلك التدافع في ندوات ثقافية في كل مكان ، كانت الجامعة. كحرم علمي مقدس ، ومن اجمل ما يعبر عن ذلك هو تلك المكتبة الجامعية الكبيرة التي تضم اكثر من الفي طالب وقلما تجد فيها مكانا  فراغا  , والكل يجلس في ادب ويتكلم مع جاره همسا او بالاشارة لكيلا يحدث. صوتا. في تلك القاعة الكبيرة التي تضم كل الطلاب الذين كانوا  يلتقون في تلك القاعة الكبيرة الجامعة  , والكل يعكف علي كتبه قراءة وكتابة وقلما يتحدث مع جاره الا بالاشارة ، وعندما يحين موعد الغداء يذهب البعض الي مطعم الجامعة او الي بيته ، و في وقت الصلاة يذهب الكثير الي مسجد الجامعة لاداء الصلاة فيه ،. كانت الجامعة كاسرة واحدة ولو تعددت المشارب وتباعدت ، وفِي زمن الوحدة كان. الحماس للوحدة كبيرا  وكبرت الاهتمامات والطموحات القومية. في تكوين مجتمع. عربي واحد. متكافل في سبيل الدفاع عن هذه الامة ، كانت سوريا هي الاغني. حضاريا وهي العاصمة الاهم في العالم العربي فى كل شيء  واهم ذلك فى تلك الكفاءات العلمية ، كان الامل كبيرا ، وكان الطريق المحاذي للجامعة. مكتظا بمواكب الطلاب التي لا تتوقف علي امتداد النهار كله ، وكان الكل يعرف الكل ويحييه ولو بابتسامة  صغيرة  ، لقد شعرت انني انتقلت فجأة من مجتمع الكلتاوية بمنهجيتها الروحية الي مجتمع اخر يختلف كليا عن المجتمع الذي عشت فيه ، كان من عادتي عندما اصل الي دمشق ان ازور مقام سيدي محيي الدين بن عربي الحاتمي في المكان المعروف باسمه. ،وقد تربينا على احترامه ,  وفي اول محاضرة لي في الجامعة. وقف الاستاذ المحاضر واخذ يتحدث. باعجاب عن فكر. ابن تيمية ، ووقفت محتجا علي الاستاذ الذى  يمدح ابن تيمية  ويصفه بالمجدد  وهو الذي قال عن ابن عربي بانه شيخ الملاحدة ، طلب مني الاستاذ ان اعد له بحثا عن ابن تيمية واقدمه له ، كانت كلية الشريعة تضم افضل الكفاءات العلمية في سوريا من العلماء في علوم الشريعة والقانون والادب. والتاريخ والحضارة ، وكانت اهم القضايا المطروحة للنقاش فكرة القومية وفكرة الاشتراكية ، وكان الدكتور مصطفي السباعي يدرسنا كتابه اشتراكية الاسلام  والقي محاضرة في مدرج الجامعة عن اشتراكية الاسلام وطبع ذلك في اول كتاب له عن اشتراكية الاسلام ، كان الاستاذ السباعي عميدا لكلية الشريعة في. ذلك العام ، وكان شخصية محببة. ويحظي باحترام الجميع. ،. وكان يدرسنا قانون الاحوال الشخصية ، وكان مريضا ويمشي متكئا علي عصاه وكنا نحزن عليه. وهو في قمة شبابه. ، كان مرحا في شخصيته. وحزينا في وقت واحد بسبب ما يعاني منه من الالام ، وكان استاذنا الثاني الشيخ مصطفي الزرقا. فقيه عصره بجدارة ، وهو افضل من يحسن فهم. لغة الفقهاء ويكتب في الفقه وكان يدرس. مادة الفقه والنظريات الفقهية. ، وكنا ندرس كتابه المدخل. الفقهي العام ،وكل ما كتب بعده في المدخل الفقهي كان عالة عليه ، وكان يدرسنا اصول الفقه الدكتور معروف الدواليبي. الذي اصبح. رئيسا. للوزراء فى عهد الانفصال ، وكنت قريبا منه. ،. واستمرت صلتي به في الرياض طويلا وكنت الاقرب اليه و القاه باستمرار . ، كان سياسيا. ويحسن الفهم والانصات. ، وكان في غاية الادب الاجتماعي ، زارني عدة مرات في الرباط ،وزرته قبل وفاته  بفترة وجيزة  , وكان.السيد المنتصر الكتاني. صديقا. وكنت الاقرب اليه في المرحلة التي انتقل الي مكة المكرمة. مستشارا لرابطة العالم الاسلامي ، ومن ابرز. الاساتذة استاذ التاريخ. الدكتور يوسف العش ، وكنت قريبا منه . وهو يبحث. في كتبه التاريخية والمخطوطات. ويتتبعها فى مظانها ، وهو افضل من. كتب في التاريخ الاسلامي وفهم احداثه ، وبخاصة. عصر انتقال الخلافة من الامويين الي العباسيين وثورة خراسان. ، والفرق الاسلامية المختلفة ، واصبح الاستاذ محمد المبارك عميدا للكلية ، والتقينا بعد عشر سنوات في اول زيارة الي المغرب في الدروس الحسنية ،. وممن. درسنا عدد من اعلام دمشق ومنهم علامة الشام الشيخ بهجت البيطار والدكتور امين المصري والدكتور وحيد الدين سوار وعمر الحكيم. ، وعدد من الاساتذة المصريين. ، منهم. الدكتور زكي عبد البر وشعبان حسين. والعالم الاصولي. احمد ابو سنة. ، واهمهم بالنسبة لي هو الدكتور مصطفي زيد الذي التقيت به في السنة الاولي فقط  وعاد الي مصر سريعا ، وفِي القاهرة. كان هو رئيس قسم الشريعة في كلية دار العلوم. الذي اشرف علي. رسالتي الماجستير والدكتوراه. ، وكان من اعز الاصدقاء في تلك الحقبة في القاهرة ، وكانت له شخصية. متميزة , وكنا علي تواصل. يومي. وكنت قريبا منه. في الفترة المصرية كلها ، كنا في دمشق كاسرة واحدة بالرغم من اختلاف التوجهات والمواقف. ، كانت مرحلة دمشق غنية. بالاحداث والدروس..  ، كم هي رائعة مدرسة الحياة ، وهناك الكثير مما يذكر. عن دمشق في تلك الفترة ، كانت الامال كبيرة ،كنا نشعر بالشموخ. العربي. والقوة والارادة والعزيمة ، فيما بعد التقيت بمعظم. من ذكرت من الاساتذة الاعلام. ، لم تعد الامال كما كانت ، وتفرق ما كان مجتمعا من قبل من القلوب ، الايام هي المعلم الاكبر ، ما اختلفت امة. في امرها الا. فقدت هيبتها.وتبعثرشملها ، وتخرجت من الجامعة. ، وكان التنافس قويا علي درجة المعيد. الذي سيوفد الي القاهرة ،. وتغلبت المصالح. ، ووجدت نفسي. في طريقي الي القاهرة في اواخر عام 1962 وهوالعام الذة تخرجت فيه , وتركت كل شيئ خلفي لكل الاخري. المنافسين. الذين انتظروا طويلا. ، ووجدت نفسي فجإة. فى القاهرة  مع الجيل الذي سبقني. ببضع سنوات. نجلس علي نفس المقاعد ، وابتدأت صحبة جديدة. تضم نخبة. مختارة. ممن. وصلوا. بجهدهم الي . مقدمة. المواكب التي اقتربت من خط النهاية . ..

( الزيارات : 589 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *