راي السيد النبهان فى القلب

رأيه في القلب:

ليس المراد بالقلب هو القلب الحسي المدرك بالبصر، وإنما هو ذلك السر الإلهي المودع في الإنسان، والذي يدرك بالبصيرة النافذة، وهو المخاطب والمطالب بالفهم.

كان الشيخ يفرق بين العقل والقلب والنفس، ويعتبر القلب هو مصدر المعرفة بالله، وبه استعد الإنسان للمعرفة، بشرط طهارة ذلك القلب، بحيث تظهر في مرآته الحقيقة كما هي واضحة جلية، والقلوب الوسخة بالمعاصي والمخالفات تعتبر غافلة وتوصف بالزيغ والضلال وهي قلوب مريضة، لأنها لم تؤد مهمتها في المعرفة، وكل عضو لا يؤدي مهمته فهو مريض، ويحتاج إلى علاج، وعلاج القلوب من أمراضها بحفظها مما يرد عليها من الحواس من خواطر السوء وأهم حجاب لتلك القلوب هو التعلق بالدنيا، فالدنيا ليست مذمومة، والمذموم فيها هو تعلق العبد بها تعلق النهم الذي يكدر صفاءه.

قد يختلط لفظ العقل والقلب ويدلاِّن على معنى واحد، فيطلق على القلب لفظ العقل ويطلق على العقل لفظ القلب، وكل منهما يكون موطناً للعلم وللفهم، والعقل يدرك العلوم الاستدلالية التي تعتمد على البراهين الجدلية، وأما القلب فيدرك المعرفة بالله، ويدرك ذلك لا بمقاييس العقول وإنما بنقاء الفطرة وطهارتها، وما يدرك بالفطرة يفيد اليقين ويؤدي إلى الطمأنينة والسكون.

ولا يوصف العقل بالمرض إلا عندما يعجز عن التمييز، أما القلب فيوصف بالمرض عندما يصاب بالزيغ، ووسائل كل منهما في العلاج مختلفة عن الآخر فالقلوب عندما تطهر تجعل العقول أكثر فهماً لحقائق الأشياء، ولا يكون تمييزها قاصراً على الألوان والأشكال الهندسية وإنما تميز بين الحق والباطل، وتختار الرشاد على الضلال.

مفهوم القلب:

والقلب ليس له مفهوم محدد، ولا يدرك بالبصر وليس محسوساً فما يدرك هو القلب الصنوبري الذي يدفع الدماء في الشرايين، وليس هو المراد بالقلب الذي وصفه القرآن بالصحة والمرض وجعله أداة للفهم أو الجهل، والقلب هو الخصوصية الإنسانية بكل نقائها وصفائها، وتشمل النفس والعقل والروح، فالنفس إذا استقامت وتحكمت في غرائزها الفطرية واستولت على ميولها وأهوائها كانت نفساً ملهمة، والعقل يستنير بأثر طهارة النفوس، فترتقي إدراكاته الحسية، ويرى الجمال في الحق والاستقامة والقبح في الباطل والظلم والضلال.

هذا العقل وهذه النفس هما قوام القلب، فالقلب يقوم على دعامتين، العقل والنفس، فإذا استقاما تولد عنهما ذلك القلب النوراني الذي يرفض الزيغ والضلال، ولا وجود لقلب منفصل عن دعاميته، العقل والنفس، فإذا اعتدلت الغرائز واستنارت العقول كانت القلوب مهيأة للمعرفة بطريقة حتمية، وانعكس ذلك على صحة القلوب الحسية التي تحتضن كل هذه المعاني الراقية.

ولا يمكن للقلوب أن تستنير إلا باستنارة العقول واستقامة النفوس، واستقامة النفوس هي الخطوة الأولى لاستنارة العقول فلا يمكن لعقل أن يستنير إلا باستقامة الحواس الظاهرة وحفظها فإذا التزمت بالاستقامة استنار العقل وارتقت مدركاته، والاستنارة العقلية بمفهومها الأشمل المرتبط بالاستقامة تؤدي إلى حسن الفهم الذي تحققه اليقظة الدائمة المنافية للغفلة.

والقلب ليس شيئاً منفصلاً عن العقل والنفس، ولا يمكن تحقيق الاستنارة القلبية إلا بحفظ الحواس، وأهمها البصر والسمع، ومجاهدة النفوس غايتها تحقيق التزكية النفسية، وهذه التزكية هي شرط للاستنارة القلبية.

( الزيارات : 899 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *