رحلة من الكويت الى المغرب

ذاكرة الايام …رحلة من الكويت الى المغرب  

لم اتصور يوما اننى سانتقل الى المغرب واقضى الجزء الاكبر من حياتى فيه , تلك هي الاقدار تختار لنا ماتشاء , نرفض فى البداية ثم نجد انفسنا فيما بعد نستجيب ونرضى , تذكرت كلمات ذلك الرجل الصالح امام الكعبة قبل خمس سنين عندما قال لى , ستذهب بعيدا , الراية الحمراء تنتظرك , كلمات مبهمة وليست لها دلالة وقد اعتدت على سماعها , بعد خمس سنوات كانت الطائرة تقلنى الى المغرب ,  ابعد منطقة عما كنت فيه , عندما عرض علي العلامة الشيخ عبد الرحمن الدكالى ذلك انكرت ما سمعت  , وضحكت , لم يكن الامر ممكنا , بعد يومين قال لى الحسن الثانى رحمه الله  بنفسه ستكون مديرا لدار الحديث الحسنية , لن تندم ابدا , عدت الى الكويت وانا فى حالة ذهول , هل يمكن لى ان انتقل الى المغرب , كل من حولى كان ينكر علي ذلك , شيء ما فى داخلى كان ينادينى , بدأ الصوت يكبر ويعلو , كان مجرد خاطرة ولم يكن اكثر , كانت الكرة تكبر , كلمة لا لم تعد كما كانت قوية وحاسمة , اسرتى واصدقائى , كلهم ينكر علي ذلك , ولكننى كنت كل يوم اضعف اكثر , وتصغر اللا فى داخلى وتتوارى , هل يمكننى ان اترك كل شيء , كل ما بنيته سوف يتوقف , اراد امير الكويت الا تطول الفترة عن ثلاث سنوات كحد اقصى , كان صوت النداء اقوى منى , ثلاث سنوات ستمر سريعا . تركت كل شيء كما هو , سأعود قريبا , تركت بيتى وسيارتى لكي اعود , حذرنى صديق من السفر , قال لى الملوك يملون سريعا فلا تتسرع , وقال اخر ستندم عندما تغادر , عندما التقيت الاستاذ احمد بنسودة مدير الديوان الملكى فى المغرب قال لى لن تندم ابدا , انت فى رحاب ملك المغرب , صغرت اللا وكبرت نعم , وكان لا بد من كلمة حاسمة ونهائية , كان النداء فى داخلى اقوى منى , كنت عاجزا عن المقاومة , وجاءت اللحظة الحاسمة , وانطلقت الطائرة الى الدار الببضاء , كانت زوجتى تبكى , وتخفى عنى دموعها , وكان اولادى يقولون متى سنعود , تركوا كل شيء وكأنهم فى اجازة صيفية , كنت خائفا مترددا وتمنيت ان اعود من حيث اتيت , عندما استقبلنى الحسن الثانى  رحمه الله زال كل شيء عنى وتلا شى دفعة واحدة كل شعورى بالخوف والندم , كان رائعا , ادرك ما كنت فيه من تردد وخوف , قال لى لن تندم ابدا , ومرت سنوات وصادفتنى ازمات وما ندمت ابدا , الان بعد اربعين سنة ماندمت على ذلك القرار , لم اكن مخطئا ولا متسرعا فى قرارى , كان الحسن الثانى افضل مما توقعته , كنت اشعر اننى قريب منه , وكان يشعرنى بالرعاية والتكريم فى كل مناسبة , كان هذا يكفينى ويسعدنى ,ادركت جيدا اننى لم اكن الذى اختار , لو اخترت لندمت حتما , كل المحاولات التى  دعتنى   للعودة الى تلك المنطقة فشلت , كانت الابواب تغلق  وتصرف القلوب , وكأن كل ما لا يراد ان يكون لا قيمة له ولا اهمية , سر عجيب فى تلك الرحلة المغربية , مازلت حتى الان لا افهم الكثير مما كان , كل من حولى كان يسألنى عن السر , وانا لا اعلم شيئا , انشرحت القلوب وكانت الطرق معبدة وسالكة , كان يمكن ان يكون اكثر , ولكن هذا هو الممكن , بعد اربعين عاما اتساءل عن السر ولا اجد له جوابا , هذا ماقدره الله واراده ان يكون وهيأ اسبابه , اسرار التدبير الالهي تعجز العقول عن ادراكها ,  ما اراده الله هو الذى سيكون .  

( الزيارات : 822 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *