رواية الحياة ولعبة الكبار

كلمة اليوم
عالم اليوم فى العلاقات الدولية يشبه الى حد كبير ما يجرى فى عالم الفن والسينما والتمثيل , فما نراه فى الافلام العالمية والمسلسلات يجسد ما يجرى فى عالم الواقع وبخاصة فى السياسة الدولية والصراعات الاقليمية والحروب والثورات , ففى الافلام هناك مُنتج وهناك مُخرج وهناك ابطال يمثلون , فالمنتج هو صاحب الفكرة , وهو الذى يخطط لها ويعد كل الاسباب المادية والمعنوية والاعلامية للانفاق عليها والاقناع بها لكي يحقق الربح الذى يريده والغاية التى تحقق له مصالحه سواء كانت سياسية او اقتصادية او استراتيجية , فقد ينجح فى تحقيق هدفه كله او بعضه وقد يفشل , ولذلك يجب عليه ان يعد للامر عدته وان يجعل الامر مقبولا ومحببا ومرغوبا , وان ينفق بسخاء على مشروعه الذى يعمل له , وان يرصد ميزانية كافية للتمويل والاعلام والتعريف , وان يختار المخرج الذى يحسن الاخراج الفنى ويوزع الادوار بين الممثلين ويراقب الاداء الذى يوصله الى ايصال رسالته الى المشاهدين ويضبط حركة الممثلين , ولا يسمح لاحد ان يخرج عن النص المكتوب , ولا ان يضيف شيئا الى ما هو مرسوم , وان يختار لكل دور من يحسن اداءه من الممثلين , فان تجاوز احد الممثلين دوره المحدد له أنذره ووبخه واوقفه عن العمل , وقد يستبدله بمن يحسن الاداء المطلوب ومن يلتزم بالنصوص المكتوبة والاهداف المرسومة , لا احد من الممثلين ولو كانوا ابطالا فى نظر المشاهدين يملك حق القرا ر والاختيار فى اختصاص المخرج فهو منفّذ لما هو مطلوب منه , فاذا تطلب دورالممثل ان يحب او يعادى او ينتقم او يقتل او يعتدى او يصالح فعليه ان ينفذ ما يطلب منه وفق منهج مقنع وتسلسل منطقى للاحداث المتتابعة ولو كان غير مقتنع بعداوة من يعادى او بحب من يحب , فلاخيار للمثل فى اختيار دوره , لاحق له فى تجاوز ماهو مطلوب منه , واذا قبِل الدور المطلوب منه فعليه ان يكمل دوره الى النهاية من غير تردد والاّ تحمل مسؤولية قاسية لا يقدر على اعبائها فالكبار لا يقبلون الفشل ..
ما اقسى ما يعانى منه الممثلون وهم امام جبروت مخرج لا يرحمهم فى ليل او نهار ولا يقبل منهم عذرا او توقفا , ما اقسى دورهم وهم يؤدون ادوارا مذلة لهم مسيئة لسمعتهم ونظرة المشاهدين لهم لارضاء مخرج لا يقبل منهم عذرا ولا تقصيرا ..
مهمة قاسية على من يحترم نفسه ان يرضى بتلك العبودية من منتج يبحث عن الربح ويخشى الخسارة والفشل فى مهمته , ومن مخرج يريد ان يقوم بمهمة الاخراج لارضاء المنتج فيما يريد من تحقيق مكاسبه واغراضه المرجوة , قد لا تكون لمكاسب مادية , والمهم انها اهداف مطلوبة يريد تحقيقها والوصول اليها قد لا يعلم سرها الا من كان يقظا وعليه ان يتظاهر بالغفوة او الصمت لكيلا يندم ..
السياسة الدولية تتحكم بها مصالح الكبار من المنتجين حماية لمصالحهم الحيوية , وهم الذين يخططون لما يريدون , حروب وثورات وصراعات لا تثير اهتمامهم الا بمقدار ما تحقق لهم ما يريدون منها , لا قيمة لحياة الشعوب الضعيفة التى تدفع الثمن غاليا من الدماء والدماروالمحن والازمات , لا قيمة لمعاناة الانسان ولا اهمية لحياته , قد يحزن المشاهدون ويتاثرون بما يرون امامهم من الام الانسان ولكن لا اهمية لكل ذلك فى نظر الكبار , فموكب الحياة مستمروما هو مرسوم سيكون والكبار يتغالبون ويتصارعون فى غير ارضهم لكيلا تصل اصوات الابرياء من الجرحى والشهداء الى اذانهم فتشغلهم عن امرهم ولهوهم ونهمهم , الصراع مستمر ما دام يحقق لهم الكسب ولا مصلحة لهم فى انهائه لان المطلوب هو اشغال البعض بالبعض الاخر وانهاكم جميعا لكي يكونوا اكثر استعدادا لقبول التنازلات والرضوخ لما هو مرسوم فى الذاكرة المحجوبة عن الاعين باسوار منيعة وحصون موصدة الابواب ..
الفرق بين التمثيلية والواقع ان الشهداء ينهضون ويخرجون من قبورهم بعد انتهاء المشهد التمتيلى , اما فى عالم الواقع فلا احد من الشهداء ينهض ابدا ولا شيء من الدمار يعود الى ماكان عليه ..وتظل الشعوب المستضعفة اسيرة وهم تعيش فيه وجهل يسيطر عليها وغفوة قد يكون ثمنها غاليا , وعندما ينتهى المشهد تبتدئ معاناة الانسان مع ما خلفه ذلك الحلم المزعج من اثار ودماء وذكريات ليلة حزينة كانت كابوسا لا يمكن ان تنمحي آثاره ولو بعد اجيال ..
ما اشد حاجتنا الى صحوة ضميريخاف الله ويخشى من عقابه لكي نواجه به طغيان الانسان على اخيه الانسان وظلم الاقوياء للضعفاء ..لا بد لنا من اعادة تكوين الانسان المؤمن الصادق الذى يلتزم بما امره الله به من احترام حياة الابرياء وكرامة الانسان لكي يتحقق بانسانيته وتنمو لديه مشاعر الرحمة بالمستضعفين ومحبة كل الاخرين من عباد الله لكي يكون من :عباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا, واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما , والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ….والذين لا يدعون مع الله الها اخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما ..صدق الله العظيم سورة الفرقان..

( الزيارات : 1٬242 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *