مناقشة الخلافات السياسية فى صدر الاسلام

ممحاضرة عن الخلافات السياسية فى صدر الاسلام
القى الصديق الدكتور عباس الجرارى مستشار جلالة الملك حديثا فى مقر الاكاديمية الملكية المغربية يوم الخميس 8ماي 2014 بعنوان :المسلمون والسياسة ..اسباب الانحراف..
وقد تحدث عن الخلافات السياسية حول الحكم والبيعة ومقتل الخليفة عثمان بن عفان والفتنة التى وقعت بين الصحابة ومعركة صفين وظهور الخوارج وحكم الامويين وقد اجاد الزميل فى عرضه وتحليله للاحداث التى وقعت فى صدر الاسلام والتى اتسع اثرها فيما بعد , وما زالت اثارها السلبية حتى اليوم ..
وقد علق الدكتور محمد فاروق النبهان على الحديث بالكلمة التالية كما هي مسجلة فى وثائق الاكاديمية : • ٍ
العضو الزميل السيد محمد فاروق النبهان :….
أشكر الزميل الكريم الدكتور عباس الجراري على هذا البحث القيم الموسوعي في نقله للأحداث التاريخية كما رواها المؤرخون، وفي دقته فيما نقل من الروايات، في المرحلة الإسلامية الأولي.. وهي المرحلة التي أوجدت ذلك الواقع فيما بعد، الذي كان مليئاً بالأحداث الخطيرة.
كان الزميل دقيقاً فيما رواه ، وأعطى إشارات مهمة حول ما يمكن أن يقع، قالها باختصار. وأوضح بعض الأشياء أو التجاوزات أو المواقف السلبية التي أوجدت فيما بعد ذلك الخلاف الكبير بين مختلف التيارات السياسية.
لاشك أننا نحتاج إلى قراءة هذه المرحلة التاريخية لكي نفهم ماذا حدث في ما بعد.
أولا، في الاختيار الأول بين الأنصار والمهاجرين.
هناك شيء ما حدث في سقيفة بني ساعدة..واهمه تجاوز آل البيت، وهذا أمر يجب أن نعترف به.
آل البيت (علي والعباس) كانوا يعتقدون أنهم أولى بالحكم وبوراثة الحكم, ولم يستشاروا فيه . ولم يتح لهم ذلك، تطور هذا الأمر، كان علي غاضباً، لم يعط بيعته لأبي بكر في وقت مبكر .. جاء عثمان الذي كان ينتمي للأمويين الى الخلافة بعد مقتل عمر … الأمويون كانوا بيت حكم وسلطة. فى مكة
أبو سفيان زعيم قريش، معاوية عاش في بين الحكم، في بيت السيادة، ويعرف الحكم جيداً. ويعرف كيف يتقدم ومتى يتراجع..
علي لم يكن في دهاء معاوية. اتخذ بعض القرارات ربما أخذت عليه.
أولا، كان علي رضي الله عنه مستقيماً جاد الطيع، شديداً. فى الحق لا يهادن , لذلك معظم الصحابة لم يختاروه للحكم بعد عمر ..، ربما ، لم تكن عنده المرونة التي تمكنه من استجلاب الآخرين. ولهذا بقي وحيداً فى مواجهة معظم الاخرين ..عندما قامت الثورة ضد عثمان. اختاره الثائرون وهم طلائع الخوارج الذين ظهروا فيما بعد.
وهذه التيارات الثائرة التي ظهرت هي حركات طبقية أيضاً، طبقة الفقراء المهمشين من الموالي الذين شعروا أن الدولة الإسلامية أصبحت دولة سلطة، ودولة مال ونفوذ، وفي ظل سيطرة الأمويين، وبخاصة في بلاد الشام التي كانت معقلا كبيراً لهم.
عندما خرج الخليفة علي إلى العراق خرج من موطن ا لخلافة الشرعية الدينية من المدينة وهذا الخروج من الأشياء التي أخذت عليه.
كان خليفة وهو في المدينة، وعندما خرج إلى العراق أصبح واحدا كالآخرين، وبالتالي لم يستطع أن يكسب ولاء الآخرين من الولاة فى الشام ومصر .
أول خطوة قام بها علي عندما تولى الحكم : عيّن الولاة قبل ان يستقر الحكم له
ما كان ينبغى أن يعزل الولاة وهم أقوى سلطة ونفوذا منه كمعاوية الذي كان لابد أن يعزل، فعزله. وكان هؤلاء الولاة يملكون السلطة في مصر وفي بلاد الشام الخ… فرفضوا أن يخرجوا من الولاية.
كان لا بد من المواجهة، ما كان يمكن أن يواجهوا عليا وهو صاحب الشرعية إلا بحجة ما سمى بقميص عثمان. هذه الحجة التي برّروا بها عصيانهم على الخليفة ..هناك قضية مهمة جدا في التاريخ، ويجب أن نشير إليها، هناك صراع بين العرب وفارس على الحكم. وهذه نقطة مهمة جداً، وهي تفسر ما يجري اليوم في واقعنا ..:
نشأة الشيعة.
لماذا كانت الشيعة في فارس ؟ فارس كانوا ضد الحكم الأموي الذي كان عربياً بكل معنى الكلمة. وكان متعصبا للعربية. وكان يريد أن يفرض العربية على بلاد فارس، وكان هناك ضغط على بلاد فارس.
فارس بلاد قوية ذات نفوذ، امتدادها الجغرافي كبير إلى بلاد خراسان. كانت تريد أن تقاوم الحكم الأموي.
لم يكن بإمكانها ان تقاومه بنفوذها الفارسي. كان لابد من حجة دينية، أن تختبئ وراء أهل البيت، والدعوة إلى نُصرة آل البيت المظلومين…! كانوا يقولون : نحن وراء الرضى من آل البيت. أي أيّ واحد ! لم يكن العباسيون ظاهرين إطلاقاً عندما قامت الثورة من خراسان، وقادها أبو مسلم الخرساني وهي التي أسقطت الدولة الأموية عام 132.
كانت الثورة فارسية بكل معنى الكلمة، باسم الرضى من آل البيت، وكانت تريد أن تحكم الدولة الإسلامية، لولا أن العباس اكتشف خطتهم وقتل أبو مسلم الخراساني قائد الثورة، وهو الذي قضى على الدولة الأموية. ولو لم يقض عليه لكان أبو مسلم الخراساني سيقضي على العباسيين وعلى كل آل البيت.
هناك صراع سياسي حقيقي، كانت تحكمه القوة والدهاء. وأنا أقول السلطة لابد أن تكون لها قوة.
القوة هي التي تحكم، وليست الشرعية. فكانت القوة تختبئ وراء الدين، ومن بين كل هذه الحركات برزت حركات ثلاث :
الحركة الأولى، هي حركة الشيعة. وهي حركة مناوئة للدولة الأموية، مركزها خراسان، بلاد فارس.وفي حقيقتها هي حركة شعوبية، حركة سياسية، قومية ضد الحكم الأموي.
ولذلك كان لابد من إعطاء الهالة الكبيرة لأهل البيت، لأنهم رموز المقاومة.
الحركة الثانية، هي حركة الخوارج., وكان الشيعة يقولون بأن آل البيت هم أولى الناس بالحكم وأنهم موصى لهمٍ بالحكم، وأن هذه سلطة إلاهية، والولاية أو الإمامة تنتقل. الى الائمة من ال البيت
الإمامة هي فكرة شيعية، فصلوا بين الإمامة والخلافة. ….الخليفة هو الجالس في القصر. والإمام هو صاحب السلطة الشرعية ولو كان في سجن من السجون. فيقال له “الإمام”.
الإمامة خاصة بال البيت، ولذلك لا نقول الإمام أبو بكر أو الإمام عمر. نقول الإمام حسين والإمام علي.
الكلمة ظهرت فيما بعد. .بعد ظهور التيار الشيعي الفارسي المتماسك، الذي يملك الدهاء ويملك التجانس، ويملك القدرة على إخفاء ما لديه, وهي ” التقية” المعروفة عند الشيعة أي لا يُبرزون ما يؤمنون به. وهذا جزء من عقيدة الشيعة خوفا من الامويين
هناك التيار الآخر المناقض لهم، الخوارج: يقولون الخلافة هي للأولى من المسلمين.والافضل والاكثر اهلية , ٍ ليس هناك شرط فيها، وهم أصحاب سيف، وأصحاب مقاومة. ينتمون الى طبقة الفقراء والموالى والضعفاء ليسوا طبقة الأمويين أو طبقة القصور. هي الطبقة المقاومة أشبه ما تكون اليوم بالحركة الجهادية. هي حركة طبقية اجتماعية ترفض ما آل إليه الوضع في المجتمعات الإسلامية. وكان يمثلها في البداية أبو ذر الغفارى الرجل الصالح الذي كان يقول ليس هذا هو الإسلام. وهو من الصحابة., وكان يُنكر على الأمويين ترفهم ويُنكر على الخلفاء قصورهم , ويقول ليس هذا هو الإسلام، الإسلام لابد فيه من الحياة الإسلامية التقية النقية، وليس في حياة القصور وحياة التّرف. كان يدعو لتوزيع لاموال على الفقراء والتقشف فى الحياة ..
ولذلك جلس أبو ذر في بيته ولم يخرج معتزلا الناس لانه وجد نفسه غريبا .
التيار الثالث، هو تيار ما يسمى بأهل السنة والجماعة وهم الذين يُمثلون الاعتدال. كانوا مع الأمويين وضد العنف والثورة على الحاكم منعا للفوضى والفتنة الا فى حالات الكفر او الظلم او الفسق المعلن ووفق ضوابط شرعية حفاظا على ارواح الابرياء ، يقال لهم أهل السنة والجماعة ، أهل الاعتدال في المواقف، ليسوا من أصحاب السيوف، ليسوا أصحاب العنف ولا من دعاة العنف والمقاومة , كانوا ينصحون الحكام بالكلمة للتخفيف من ظلمهم وكان معظم علماء اهل السنة مع الاعتدال فى المواقف السياسية . كانوا يبررون فكرهم بالأمر الواقع. الذى لا يمكن التغلب عليه بالقوة ووضعوا شروطا لجواز الثورة على الحاكم الظالم او الفاسق لحماية ارواح المسلمين , والمهم ا ن اهل السنة كان لهم موقف يختلف عن موقف الشيعة وموقف الخوارج ….
… كان يقال لهم أهل السنة. والجماعة وكان لهم مذهب فكري هو الأشعرية في مواجهة المعتزلة الذين انبثقوا عن فكر الخوارج، والشيعة الذين يؤمنون بالامامة الوراثية فى ال البيت …
إذن هناك خطوط ثلاثة : الخوارج والشيعة وهم النقيض وأهل السنة والجماعة.

السياسة دائماً تلعب دوراً كبيراً وراء هذه الأفكار والمذاهب , وعندما يراد للطائفية ان تتحرك بدوافع سياسية تجد مناخا ملائما لها وهذه الصراعات السياسة هي التي تحرك كل هذه التيارات ..والطائفية دائما وراءها خط سياسي يتحكم فيها، ويسيرها كما يريد.
تنتعش الطائفية عندما يراد لها أن تنتعش، وتسكن وتتعايش في الوقت الذي تتعايش فيه. الدول المتجاورة وتلتقى على اهداف ثابته من الاحترام المتبادل ..وكم نحتاج اليوم الى ذلك التعايش والتساكن بين شعوب المنطقة فى ظل الثوابت التى تجمعنا وبعيدا عن التعصب والعنف والتدخل فى شؤون الاخرين من الطوائف والقوميات التى اسهمت فى اغناء ثقافة الاسلام ٍ
وأكرر تقديري للزميل العزيز الدكتور عباس الجراري على هذا البحث الذي أتاح لنا فرصة الحديث عن قضايا نعيشها، وكلنا نشعر بأثرها… وأدعو الله أن يتولاه بالتوفيق والرعاية، ..

المصدر : وثائق الاكاديمية

( الزيارات : 1٬258 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *