صفة المؤمنين كما يراها السيد النبهان

رأيه في صفة المؤمنين:

قال تعالى: {{ع94س8ش2ن1/س8ش4ن111} [الأنفال: 2 ـ 4].

والمراد بالإيمان هو التصديق، وموطن التصديق هو القلب، فمن صدق بقلبه فهو مؤمن، ومقتضى هذا التصديق هو الانقياد والتسليم، والإسلام هو التسليم بالقلب واللسان، وأحياناً يكون التسليم ظاهراً ولا يرافقه التصديق القلبي.

وفي رأي الشيخ أن الإيمان يدرك من خلال ثمرته، وثمرة الإيمان هو ظهور آثاره على العبد، وأول أثر لذلك أن يعرف المؤمن عند ذكر الله بما يشعر به قلبه من وجل واستشعار للهيبة والخشوع، والمراد بالوجل هو الخوف، فالمؤمن إذا ظلم أو فعل فاحشة وذكر الله شعر بالخوف وتراجع عن ظلمه، فإذا لم يشعر بالخوف عند ذكر الله فلا يوصف بالمؤمن.

الخشيـة من صفـات المؤمنيـن:

وجاء وصف المؤمنين في القرآن في مواطن كثيرة، وكلها تؤكد على أن من صفات المؤمنين إذا سمعوا القرآن اقشعرت جلودهم لذكر الله وما جاء من الحق، وفاضت أعينهم من الدمع مما عرفوا من الحق.

قال تعالى: {{ع94س93ش32ن1/س93ش32ن002}.

وقال أيضاً: {{ع94س5ش38ن1/س5ش38ن112}.

فالخشية وليدة المعرفة، والمراد بالخشية هي الخوف المقترن بالتعظيم للمخشي منه والذي تنتجه المعرفة ومن ثمراته اليقين، ويختلف هذا المفهوم عن مجرد الخوف الذي يفيد معنى الفزع، فالخوف من الله كما يقول الشيخ، ليس ذلك الخوف من توقع شيء مكروه، وإنما هو خوف مقترن بالهيبة، ويولد ذلك الوجل الخاشع الذي تفيض منه الدموع عند سماع ذكر الله، وهذا الشعور يطلق عليه الخشية، والخشية وليدة المعرفة، والعلماء بسبب معرفتهم بالله هم أكثر الناس خشية من الله.

والخوف صفة من صفات المؤمنين، لأن الخوف إذا سيطر على القلوب امتنعت عن التطلع للشهوات، وكفت عن الملذات المحرمة والمؤمن يخاف من المعاصي وأحياناً يكون خوفه ناتجاً عن محاسبته لنفسه، فيخشى ألا تقبل طاعته، ويكون عمله خالياً من الإخلاص.

ولا يمكن أن يشعر المؤمن بالوجل الذي يعتري القلوب عند ذكر الله إلا أن يكون القلب طاهراً ونقياً، وهذا القلب يطمئن بذكر الله، والخشية هي وليدة اليقظة، وأهل الغفلة لا يشعرون بالخشية ولا بالوجل عند ذكر الله، لأن قلوبهم قاسية، وقد طبع الله على قلوبهم، فلا يخشعون لذكر الله، وينصرفون إلى الدنيا ويستهينون بأمر الآخرة، وقلب المؤمن هو القلب الذي يطمئن بذكر الله، وهذا القلب لا يعرف الغش ولا الطمع ولا الحسد ولا الرياء ولا الحقد.

والقلب هو موطن البصيرة عند المؤمن، وطهارة القلوب هي أهم صفة من صفات المؤمن، فمن طهر قلبه وزكت نفسه فإن خواطر الخير تنقدح في كيانه، ويندفع العقل للتفكير فيها والتأمل في ملامحها، فترتاح النفس إلى ما انقدح في القلب من فعل الخيرات، ويشرق حب الصالحات بالنور والضياء، فيندفع الإنسان من خير إلى خير من غير تكلف، فإذا جاءت وساوس الشيطان بخواطرها المذمومة فسرعان ما يتمكن القلب من التغلب عليها بما يملكه من الاستعداد للخير الميسر له، وأحياناً يقع التدافع والتغالب في خواطر الخير والشر، ودواعي العمل الصالح والميل الغريزي للأهواء ولكن القلب المعمر بالتقوى سرعان ما يكون قادراً على تغليب الخير على الشر، فلا تقوى الأهواء على مغالبة قوى الخير في القلوب المؤمنة التي تستشعر الخشية عند ذكر الله.

وهذا ما يؤكده القرآن الكريم في وصفه الدقيق لقابليات الخير والشر في القلوب، في قوله تعالى:

{{ع94س6ش521ن1/س6ش521ن002} [الأنعام: 125].

والطريق إلى يقظة القلوب هو تزكية النفوس بالتحكم في غرائزها وميولها بحيث تكون منسجمة مع حسن الخلق الذي هو صفة من صفات المؤمنين، ولا إيمان بغير حسن الخلق، فالخلق هو صورة الباطن، وكما يحسن بالعبد أن يحرص على حسن ظاهرة بالتجمل والنظافة والعناية بالأبدان لكي تكون معتدلة في أشكالها، فكذلك يجب عليه أن يحرص المؤمن على جمال الباطن المتمثل في الأخلاق، فيتغلب على الصفات المذمومة فيه والتي يخجل من إظهارها كالطمع والحسد والحقد والأنانية وشدة الغضب والانقياد للشهوات.

ويحصل حسن الخلق، عن طريقين، إما عن طريق ما يخص الله به بعض عباده من رعاية وتكريم فيخلقهم بطبائع الاستقامة والتعلق بالمكارم، وهذا هو الأصل في الفطرة الإنسانية، فالفطرة خلقت صافية طاهرة بيضاء نقية ليس فيها ذلك الزيغ وليس فيها ذلك الميل نحو الضلال والانحراف، إلا أنها قد تنحرف عن مسارها السليم بتأثير التربية والبيئة غير الأخلاقية التي تزين للناس سوء عملهم وتحببهم فيما يكرهون بحكم الفطرة، وهذه النفوس هي المهيأة ليقظة القلوب وهي التي ترسخ القيم الإيمانية السليمة التي تجعل القلوب خاشعة وجلة لذكر الله وما نزل من الحق.

وأما الطريق الثاني لحسن الخلق فيتمثل في رياضة النفوس ومجاهدتها بتكلف المحمود من الصفات والابتعاد عن مذمومها، بالتأمل في أوصاف الصفات المذمومة، ومراقبة آثارها السيئة على صاحبها، ومخالفتها لصفات الكمال، ولا يكون الخلق المحمود إلا بالتخلق وهو بذل الجهد للتغلب على الأهواء والغرائز، لأن هذه الأهواء يستلذها الطبع في البداية، وتميل إليها الغريزة، واللذات الحسية أمور مرغوبة لما تخلفه من لذة عاجلة.

وقلب المؤمن في لحظة اليقظة يضيق بالأهواء والشهوات، لأن الشرع قد منعها، وما يرفضه القلب تبتعد عنه الحواس بطريقة تلقائية ولا تلتفت إليه.

( الزيارات : 796 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *