ضريح السيد النبهان

الضريح:

دفن الشيخ في غرفته التي كان يقيم بها، وأقيم له ضريح مهيب في المكان الذي كان يجلس فيه، لم يتغير شيء، رحل الشيخ وبقيت كلماته ومجالسه كما كانت في أيام حياته، إذ لم تتوقف المجالس والمذاكرات، لا بقي الرمز كما كان وسيبقى بإذن الله.

كان الشيخ يتحدث دائماً عن الموت، إنه رحلة من عالم الكثافة إلى عالم اللطافة.. رحلة أبدية ضرورية حتمية، والمؤمن لا يخاف من هذه الرحلة، ليست هي نهاية، وإنما هي استمرار، والمؤمن لا يخاف من الموت لأنه استعد لهذه الرحلة، أما الذين يخافون من الموت فإنما يخافون من تقصيرهم أن يلاقوا ربهم وهم غافلون عنه، ولعلّ من حق هؤلاء أن يخافوا وأن يرتجفوا من لقاء الموت.

الغافل عن الموت يؤلمه ذكر الموت ويخيفه، لأنه متعلق بالدنيا، أما من استعد للموت فلا يخيفه ذكره، لأنه سيلاقي الإنسان في يوم ما في ليل أو نهار، في سفر أو حضر، فلا مجال للفرار منه.

فالأحياء يحزنون لأنهم يجدون أنفسهم في ضياع بعد انطفاء السراج الذي كان يضيء دروبهم، والأطفال يحزنون إذا غاب أبوهم أو أمَّهم، والمريدون يحزنون إذا غاب مرشدهم، لأنهم يفتقدون دفء كلماته التي تمنحهم الطمأنينة والسعادة.

واليوم.. يستقبل ضريحه في كل صباح ومساء العشرات ممن عرفوه وأحبوه، سواء عرفوه بطريقة مباشرة واجتمعوا به أو عرفوه من خلال آثاره، يشعرون بالأنس وهم يزورونه، فهذه الزيارة تريحهم، ولا نجد في زيارة الشيخ تلك السلوكيات الخاطئة التي لا يقرها الشيخ، فقد كان قدس الله سره يدعوهم إلى التزام الأدب في زيارة الصالحين، ولا شيء غير الأدب، فالأدب يمنع الزائر من المخالفات الشرعية، ويطوقه بسياج من الاحترام والوقار، فلا زيوت تضاء في الأضرحة، ولا تقام فيها طقوس خاطئة، ولا تنصب فيها حلقات للشطحات المذمومة، كل ذلك كان الشيخ يكرهه ويحذِّر منه، لكي لا تكون زيارة أضرحة الصالحين مطية لعبث العابثين وانحراف الجاهلين.

وحافظ ضريح الشيخ رحمه الله على نظافته الظاهرة وطهارته الباطنة كما كان يحب أن تكون مجالسه في حياته، والقيّمون على أمر الضريح مدعوون في كل وقت للحفاظ على تعاليم الشيخ الذي كان يرفض أن تقام الطقوس الخاطئة في الكلتاويّة، وأن يكون الالتزام بكل تعاليم الشريعة وأحكامها وآدابها.

وضريح الشيخ ليس مكاناً لالتماس الحاجات لإشباع رغبات دنيوية، وإنما هو رمز للوفاء لشخصية صوفية إسلامية متميزة بأخلاقياتها، أغنت عصرها بما أضاقت إلى صورة الإسلام من ضرورة الاهتمام بآدابه وروحانيته وأخلاقياته التي تجعل التواصل بين الفكر والسلوك أمراً مطلوباً، لتجسيد القيم المبادىء والمثل العليا.

والأجيال اللاحقة في وفائها لرموز الإصلاح والجهاد والفكر والتقوى لا تتعلق برُفاة الراحلين ولا بأجسادهم وإنما تتعلق بما تركوه في الذاكرة من آثار وبما خلَّفوه بعدهم في القلوب من محبة، ذلك هو التراث الباقي الذي لا يندثر مع مرور الأيام، بل يزيد إشراقاً وبهاءً هذا ما تبحث عنه الأجيال اللاحقة في سعيها للبحث عن مصادر ثقافتها وينابيع المياه التي تمد الأرض العطشى بأسباب الحياة لكي تنمو أغصان الخير في أعماق الذات الإنسانية.

ويقع الضريح في وسط الكلتاويّة، ويطل من جهته الشرقية على الساحة الأمامية للمسجد التي تؤدي إلى الباب الخارجي ويطل من جهته الغربية على الساحة الواسعة التي تطل على المدينة القديمة، ويطل من جهته الجنوبية على المسجد والمدرسة الشرعية التي تقع خف المسجد وتمتمد أمامها الساحة الأمامية للمدرسة، ويتوسط الضريح كل ذلك، حيث يطل على القاعة المربعة التي دفن فيها الشيخ والتي أدخلت عليها التوسعة من جهة الجنوب، وقد يطلق لفظ الضريح على القبر المرمري الذي يقع في صدر القاعة من جهة الشمال، وللضريح بابان: الأول من جهة الشرق ويقود إلى الساحة الخلفية والباب الثاني يقود إلى المسجد كما يؤدي إلى الساحة الجنوبية التي تشرف على المدرسة.

ويوجد داخل قاعة الضريح حمَّام خاص مغلق، كان الشيخ يستخدمه في حياته وتقع المئذنة خلف الضريح مباشرة، وتوجد في خزانات القاعة بعض كتب الشيخ وبعض ملابسه الخارجية.

وهناك أيام خاصَّة لزيارة النساء، وهي الأيام التي كان الشيخ يلقي فيها دروسه عليهن، ويحرص إخوان الشيخ من النساء على حضور مناسبة الزيارة، وسماع دروسه المسجَّلة، ولم تتوقَّف هذه الدروس سواء للرجال أو للنساء.

وما زالت في قاعة الضريح اللوحات التي كانت موجودة في حياة الشيخ، وبقي وكل شيء كما كان في حياته.

ويحرص إخوان الشيخ على زيارة الضريح بعد صلاة الجمعة في كل أسبوع، وفي المناسبات والأعياد، ويلتزمون جميعاً بآداب الزيارة، كما جاء في الشريعة، فلا يفعلون ما يخالف الشريعة، سواء فيما يقولون أو فيما يسلكون.

( الزيارات : 1٬858 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *