طريقتنا محمدية الفكر والتربية

طريقتنا محمدية:

كان الشيخ رحمه الله عندما يسأل عن طريقته يردد في مجالسه «طريقتنا محمدية» منهجها هو اتباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال وتوجيهات وإرشادات ويردد قوله تعالى: {{ع94س3ش13ن1/س3ش13ن88} [آل عمران: 31] ويضيف: الشريعة كمال والإتباع هو قمة الكمال ومن تطلع إلى الكمال فلا يفعل خلاف الأولى.

وقد يتساءل متسائل: لماذا لم يلتزم الشيخ بطريقة صوفية خاصة وقد بدأ حياته بذلك؟

لماذا كان يقول «طريقتنا محمدية» ولم يقل قط: إنها شاذلية أو نقشبندية أو قادرية أو غير ذلك؟

لماذا لم يلتزم بالأوراد والطقوس الطرقية والدعوة إلى الخلوة؟

لماذا كان يركز على تزكية النفوس بالتهذيب وحفظ الحواس كالسمع والبصر؟

لماذا أسقط في مجالسه الحديث عن الكرامات وربط البحث عن الكرامة بالنقص؟ وأهل الكمال لا يعنيهم أمر الكرامات.

لماذا كان يحذر أصحابه من مصاحبة المجاذيب ولو كانوا من أهل الكرامة والولاية، لأن المجذوب فيه نقص وليس مكلفاً بالأحكام، ولا يمكن اعتباره قدوة لافتقاده كمال العقل الذي ارتبط به التكليف.

ذلك منهج متميز، ليس فيه صوفية الطريقة، وإنما فيه صوفية الشريعة، والشريعة أسمى وأكمل من الطريقة، والشريعة هي الأصل والمنبع والطريقة هي ثمرة للشريعة، ولا يمكن للشريعة أن تثمر ما يناقضها في التكوين، كما لا يمكن للطريقة أن تخالف أصولها، فالفرع لا يناقض أصله.

صوفية الشيخ ليس فيها جذب يومىء لضعاف العقول باللحاق به وليس فيها تتبع لخوارق العادات بمتاهات الضياع التي تعبث بالعقول وتهبط بمستوى القيم الإسلامية والفضائل فتجعل الخوارق معيار التفاضل والتميز، فيسقط العوام في متاهات الضلال.

والمنهجية الصوفية التي التزمها الشيخ تلتقي مع صوفية الصفاء الروحي المستمدة من سلوكيات السلف وتستقي تصورها من ينابيع القرآن والسنة، رياضاتها النفسية تهدف إلى تزكية النفوس ومجاهدتها تسعى نحو التحكم في الغرائز الفطرية لا لإماتة تلك الغرائز بالقهر والإذلال إنما للتحكم في اندفاعاتها لكي تكون في قبضة الشرع فذلك هدف مشروع وغاية مرجوة.

واشتهرت الصوفية من خلال الطريقة بسلوكيات خاصة تتمثل في المبالغة في كل شيء، مبالغة في العبادات، ومبالغة في المجاهدات، ومبالغة في الزهد والابتعاد عن الدنيا، ومبالغة في استعمال المصطلحات المبهمة التي تفهم أحياناً ولا تفهم تارة، تدل على كل شيء ولا تدل على شيء، ولم تكن في منهجية الشيخ تلك المبالغات، فالعبادة تؤدى بكل أركانها وشروطها وآدابها ولا مجال للمبالغة فيها خارج نطاق الفروض والسنن والنوافل وغايتها فهم غاية العبادة وهي إخلاص النية لله تعالى وأداء ما أمر الله به ولا مجال للمبالغة في الزهد، فغاية الزهد هو عدم تعلق القلب بالدنيا فإذا انصرف القلب إلى الله تعالى زهد فيما عداه والزهد لا يتحقق إلا بوجود مزهود فيه ومرغوب فيه فإذا تعلق السالك بالمرغوب فيه زهد فيما عداه والزهد هو عدم الالتفات إلى غير المرغوب فيه، والعمل في الدنيا لا ينافي الزهد، فالزاهد أقدر على العمل والسعي والكسب، لأنه متحرر من قيود التعلق، واليد العليا هي خير من اليد السفلى، فصوفية اليد العليا صوفية الكرامة والهمة ولا كرامة لصوفية اليد السفلى التي ترضى بالمذلة والمسكنة.

والصوفية وضوح في الرؤية والمصطلحات دالة على معانٍ واضحة لا غموض فيها، فليس في الصوفية ذلك الغموض، ولا تلك الظلمة التي تفسح المجال للتأويلات التي لا تدرك معانيها، فعالم النور يضيء العقول بالمعارف ويرفع من الهمم، بخلاف عالم الظلمة ففي دروبه تضل القوافل ويتيه السائرون، وتعبث الشهوات والغرائز بصفاء القلوب ويبحث السالك عن الكنز الدفين في المجاهل المظلمة، فلا يجد سوى السراب الذي يتراءى له من بعيد، ثم لا يلبث أن يكتشف أن الأوهام قادته بعيداً عن سلوكيات الاستقامة التي رسمت الشريعة معالمها.

( الزيارات : 1٬212 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *