ظاهرة الغرور

من طبائع البشر حبُّ المديح وتصديق المادحين ، والحكام  واصحاب النفوذ الاجتماعى    يصدقون كلّ ما يقال عنهم من أوصاف التمجيد ، ويضيق هؤلاء بمن يذمّهم أو يكشف جانباً من ضعفهم ، ولا يحبون سماع أوصافهم الحقيقية ولو من أقرب الناس إليهم, وهم أعرف الناس بأوصافهم ، إلا أنهم لا يريدون سماع ما يؤلمهم ، وفي معظم الأحيان يُصدق هؤلاء ما يقوله الناس عنهم ، ولو كان كذباً .

فالمرأة يُسعدها أن يقال عنها جميلة ، ولو كانت قبيحة ، وتحب أن يقال عنها ذكية ولو كانت غبية ، والملوك يحبون أن يُعجب الناس بشجاعتهم وعبقريتهم وذكائهم ، وإذا حققوا انتصاراًُ يُسعدهم أن يتحدث الناس عن هذا الانتصار العظيم ولو كان انتصاراً وهمياً ، وكلّ الحكام يعتقدون أنهم يملكون من مؤهلات القيادة مالا يملكه غيرهم من القادة ، وإذا فشلوا في أمر فيسعدهم أن يسمعوا من يبرر لهم هذا الفشل ، ولا أحد من هؤلاء يعترف بضعفه ، وهذه صفة الأقوياء فكلّهم يعيشون في وهمٍ كبير ويكذبون على أنفسهم ويكذب الناس عليهم ، ويصدقون كلّ ذلك ، وكلّ صاحب سلطة ونفوذ تحيط به حاشية من المنافقين والمتملقين ، ومَهمة هؤلاء تمجيد صاحب السلطة وإضفاء صفات الكمال عليه من ذكاء وحكمة وعبقرية وشجاعة وسخاء , ويعجب هؤلاء بأنفسهم , ويصدقون ما يقال عنهم , إلى أن يكتشفوا الحقيقة بعد فوات الأوان , وعندئذٍ ينفض المنافقون عنهم .

والأقوياء وأصحاب النفوذ لا يحبون سماع النصيحة , وقلما يقربون من يتجرأ على نصيحتهم , ويحبون أن يثبتوا لمن ينصحهم خطأ ما يقدمون من نُصح , ولا حدود لغرور هؤلاء الذين لا يقبلون النصيحة , ويضيقون بكلّ ناصحٍ صادق , وهذه من مَقاتل الرجال الأقوياء المغرورين , الذين يغرر بهم من يحيط بهم , ويدفعونهم نحو الهاوية .

وكلّ العظماء يُصابون بالغرور , وبخاصة بعد تحقيق أي انتصار لهم , فالقوة تولد الغرور, والغرور يقتل صاحبه , فالسلطة والمال والجاه كلّها تؤدي إلى الغرور , وقلما نجد من الأقوياء من يُوقف سلطان غروره عليه , وذلك بالشكر لله تعالى والتواضع له , وأن يتذكر أن كلّ ذلك بفضل الله عليه , ويزداد شعوره بعبديّته لله تعالى , وينسب كلّ فضل لله تعالى لا لنفسه , والعقلاء يقرّبون الناصحين منهم ويستفيدون من نقدهم وملاحظاتهم قبل أن تغرق العاصفة سفنهم ..

( الزيارات : 3٬307 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *