ظاهرة المولد النبوى فى المغرب ..

ذاكرة الايام..ظاهرة المولد فى المغرب.ز

من اهم ما لفت انتباهي فى المغرب الرسمى والشعبى هو ذلك الاهتمام الكبير بالمناسات الدينية والاعياد الاسلامية وفى راس السنة الهجرية وفى تقاليد رمضان , وهي تاليد عريقة وذات دلالة معبرة عن ذلك الاعتزاز بتلك المناسات , ما زالت هذه التقاليد اليوم كما كانت من قبل وكل جيل يتوارث تلك التقاليد , وهي تعبر عن ظاهرة الاعتزاز بالقيم الاسلامية والثقافة الاسلامية , وهناك مئات المدارس العتيقة فى المغرب وبخاصة فى منطقة سوس فى الجنوب,  واهم مدنها اغادير وتارودانت , وهذه منطقة  معظم سكانها من الامازيغ ويسمون الشلوح ,  وهم الطبقة الاكثر تدينا والتزاما  وتمسكا بالاسلام وكل قبيلة لها مدرستها الخاصة بها , وقد زرت بعض هذه المدارس برفقة رئيس رابطة علماء سوس الاخ الشيخ حسين وجاج والشيخ عبد الله شاكر عميد كلية الشريعة رحمه الله وهما من اعلام الجنوب  ,  وتربطنى صلة صداقة مع عدد من اهم رجال هذه المنطقة وآخر زيارة لى كانت قبل ثلاث سنوات وحضرت احد ابرز المناسات الوطنية بدعوة من ابرز زعماء الجنوب الاخ الحاج على قيوح , وهناك اهل الشمال وبخاصة تطوان وطنجة والريف المطل على البحر الابيض وتمتد  الى وجدة , وهناك تمسك كبير به بالثقافة الاسلامية وبكل التقاليد التى تؤكد اعتزاز المغرب بالاسلام واعرف الكثير من ابناء الشمال , وكان افضل طلا بى من الشمال وبخاصة مدينة العلم تطوان , ومن ابرزهم الدكتور ابراهيم بن الصديق الغمارى رئيس المجلس العلمى فى طنجة ,وعلامة تطوان الدكتور الدكتور الحبيب التيجكانى والدكتور ادريس خليفة رئيس المجلس العلمى والدكتور عمر الجيدى والدكتور نورى معمر ,  وهناك مدينة وجدة ومن ابرز علمائها الاخ الدكتور مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمى ورائد النهضة الثقافية فيها ,  وهي من اهم المدن القريبة من الحدود الجزائرية وقد عقد اهم مؤتمر للخريجين فيها وما زلت اذر حفاوة المدينة بالعلم والعلماء وقد حضر هذا المؤتمر العلامة الكبير السيد محمد مكى الناصرى رئيس رابطة علماء المغرب وبالقرب من وجدة وفى مدينة قريبة منها تقع الزاوية البوتشيشية القادرية التى يرأسها الاخ العلامة الشيخ جمال البوتشيشي ابن الشيخ حمزة وهي من اكبر الطرق وتقيم احتفالا بالمولد هو الاكبر فى كل المغرب وتحظى هذه الطريقة بمكانة كبيرة فى المغرب لاهتماماتها التربوية ولتاثيرها الروحي الكبير فى المنتمين اليها  , وهناك العواصم التاريخية للمغرب فاس ومراكش ومكناس , والرباط وسلا , وحضرت يوما مواكب الشموع بدعوة من رئيس جمعية ابى رقراق محمد عواد والزعيم المغربى المجاهد ابى بكر القادرى احد ابرز قادة حزب الاستقلال ,  وهو موكب يخرج فيه اهل مدينة سلا المجاورة للرباط بموكب فرحة وابتهاج , تعبيرا عن الفرحة بالمولد , كنت افهم جيدا دلالة هذه المناسبات الاسلامية كمنهج تربوى مؤثر فى حماية الشخصية المغربية التى ظلت متماسكة على امتداد تاريخ المغرب وقاومت كل التحديات الاستعمارية للقضاء على الاسلام وما زالت ذكريات معركة وادى المخازن فى ذاكرة تلك المغاربة عندما تمكن  المجاهدون المسلمون ومنهم الزوايا الصوفية  التى الهبت المشاعر بكلمة الجهاد ضد المعتدين  القضاء على اكبر جيش اوروبي بقيادة ملك البرتغال لاحتلال المغرب الاحتفال بالمولد فى تاريخ العالم الاسلامى ليس مجرد لقاءات واناشيد وتقاليد متوارثة وانما كان تحصسن مجتمع الاسلام ضد كل المعتدين عليه والاوصياء عليه , وعلينا ان نقرأ التاريخ ونفهم دلالة التاريخ , والذين لا يقرؤون لا يفعهمون وهذه مشكلة اخرى ونحن اليوم ندفع ثمن الجهل والارتجال  ..

 اما الاحياء والاسواق فمن اليسير ان ترى ملامح الفرحة فى الوجوه  والنشاط الاجتماعى   , كل شيء مما تراه امامك  يبتهج بيوم المولد , وهناك عشرات الكتب المخطوطة التى كتبها علماء المغرب عن مظاهر احتفال المغاربة بالمولد , ما اطلعت عليه لم اجد فيه ما يمكن انكاره ومن الطبيعي ان نجد لدى عامة الناس  فى القرى النائية حيث يشتد الحهل ما يمكن انكاره من المبالغات والاعراف وسببها الجهل بمفهوم المولد وادب الاحتفال , ولا احد يقر التجاوز والانحراف السلوكى والانكار يوجه للانحراف وليس للمناسبة   , ومن العبث ان تقول لمسلم يفرح برسوله لقد اخطأت بفرحتك او تصفه بكفر او شرك فلا احد يملك حق التكفير وهذا من الظلم الذى لا يقره الدين  , , لقد جاءنى اولادى واحفادى اليوم وطلبوا منى ان يحتفلوا فى المنزل بالمولد , وان يرتدوا ملا بس تقليدية وان يسمعونى ما حفظوه من القرأن وان اقص عليهم دلالة المولد ونبذة عن السيرة النبوية وهذا حافز لهم على فعل صالح من الصدقات ومساعدة المستضعفين  , قلت لاحد اولادى وقد قام بجهد كبير  لخدمة مستضعف غريب هذا اليوم  : لقد احسنت  فيما فعلت  وهذا هو احتفالك وهو خير من كل ما يمكنك ان تفعله , لم اجد فيما طلبه احفادى ما يمكننى ان انكره عليهم بل فرحت مما يطلبون  فعل الخير والعمل الصالح لا يرد ابدا , اشتريت لهم هدايا ذات دلالة رمزية مصحف وسجادة صلاة وحلوى خاصة بالمولد , فرحت مع احفادى وسررت بما يطلبون , لن افعل شيئا منكرا ولن اقبل به , ولكن لا اجد ما يمكننى ان انكره , تذكرت الكثير مما اعتدت ان اراه فى طفولتى فى  حلب وهناك الكثير مما يمكننا ان نتذكره فى الطفولة  , لا احد فى المغرب لا يفرح بالمولد , هناك ايام لها ذكريات ودلالات وطنية تمر سريعا , اما المولد فانه لا يمر سريعا فلا يمكن ان تكون فى المغرب ولا تحتفل بالمولد , كان صديقى الاستاذ عبد الوهاب بنمنصور وهو المؤرخ الرسمى للدولة يحدثنى عن تقاليد المولد فى تاريخ المغرب , وكان ملوك المغرب على رأس المحتفلين به وذكر لي الكثير مما قرأه فى كتب التاريخ او ما رأه وقد عاصر ثلاثة ملوك وكان يسجل ما يراه امامه , وقد تلقيت اليوم دعوة من التشريفات الملكية لحضور حفل المولد الذى يرأسه الملك فى مسجد بدر فى منطقة اكدال فى العاصمة الرباط  , ولم اتمكن من الحضور لا سباب صحية,  وكنت احضرها منذ اربعين سنة , وهو حفل مهيب يحضره كل رجال الدولة والعلماء وهناك اناشيد معتادة ينشدها اهل الاختصاص فيها من الشعر الذى يتضمن التعبير عن المناسبة والفرحة وابتهالات وادعية وتمنيات وهي امداح نبوية معروفة ومتداولة   , مع قراءة القرآن  ويعطر المجلس بالبخور , وتذكرت ذلك اليوم الذى احتفل فيه الملك الحسن الثانى رحمه الله بالمولد فى المسجد النبوى فى المدينة المنورة وقد اقيم الحفل كما هو معتاد فى الرباط وبالتقاليد التى اعتاد ان تكون فى المغرب , كان يوما مشهودا فى تاريخ الراحل الكبير ,  لا يمكن لاحد ان ينكر ماليس منكرا فى نظر الدين من الاعراف الاجتماعية التى تعمق القيم الايمانية والروحية عندما تشتد غفلة النفوس وتتكاثر المحن والازمات الناتجة عن الجهل اولا والانانية الضيقة ثانيا  , وما زلنا ننتظر ان يكون الاحتفال الاول والاكبر والاهم للمولد فى المسجد النبوى , كل العالم الاسلامى يريد ذلك , ويتمناه من سيفعله سيحيي سنة السلف الصالح فى يوم المولد وبالادب المطلوب وبكل الالتزام بكل الضوابط  لعلنا نتغلب على اوجه الانقسام والتفرقة ونستفيد من السيرة ما يمكن ان يوقظنا من الغفوة , عندما تجمعنا محبة النبي صلى الله عليه وسلم فلن نختلف ذلك الاختلاف الذى يدفعنا الى المنحدرات الخطرة التى تهدد الجميع , اننا نحتاج الى ذلك الصوت العاقل الذى يوقظنا مما نحن مقبلون عليه , كلنا مؤتمن ومخاطب ويدرك الخطر القادم وهو الطوفان , عندما نحترم شعوبنا ننصت لصوت العقلاء والحكماء , لا احد يمكنه ان يتحدى ارادة الشعوب فى الحرية والكرامة , تعالوا نبحث عما يجمعنا مع كل الاخرين لكي نوقف الانحدار ونخفف من المحن التى تدفع شعوبنا ثمنها , الشعوب باقية وغالبة لانها الحقيقة التى لا يمكن تجاهلها , الحرية والعدالة والكرامة مطالب لا بد منها لكل الشعوب , مناسبة المولد هي المناسبة التى تذكرنا اننا اخوة يجمعنا الاسلام وتوحدنا ثقافة اسلامية واحدة , ولكل شعب خصوصياته وتقاليد وثوابته ولا يمكن تجاهل ارادة الشعوب فيما اختارته لنفسها , كلنا يبحث عن الحق ولا احد اولى بالحق من الاخرين الا بحجة يرتضيها الجميع ويحتكمون اليها , الدين واضح المعالم ولا احد اولى به من الاخرين ..

( الزيارات : 851 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *