عدالة لا ظلم فيها ..

كلمات مضيئة..عدالة لا ظلم فيها للمستضعفين .

كلمة الظلم من الكلمات التى تتردد كثيرا فى الحياة الاجتماعية فى موطن الاستنكار والادانة والانكار على فاعلها , وقد حرم الاسلام الظلم مهماكانت اشكاله , ماكان  فى الماضى وما هو كائن اليوم , وما يمكن ان يكون فى المستقبل , كلمة الظلم تدل على جميع المعانى السيئة التى تعبر عن معنى العدوان على المستضعفين فى حياتهم وفى اموالهم وفى اسلوب معاملتهم , لا شيء كالظلم يحرمه الدين , ولكل عصر مظالمه , وهذه المظالم تتجدد باستمرار , وعندما يثبت الظلم يكون التحريم والانكار , المشكلة ان الظلم قد يقع ولا يعترف الظالم به ويظنه حقا مشروعا له , الظلم مقترن بالقوة والطغيان , رسالة الدين ان يقاوم الظلم ورموز الظلم مهما كانوا , العدوان على اي حق من حقوق الاخرين فى الانفس والاموال والكرامة هو ظلم محرم , كانت الاديان السماوية ومازالت حليفة المظلومين تدافع عنهم , لا خير فى مجتمع يقر الظلم  ويرضى به ولا يناصر المظلومين والمستضعفين , الخلاف ليس فى تحريم الظلم ولكن فيما يعتبر من الظلم , فما المعيار الذى يعرف به الظلم , كلمة العدل هي الكلمة المقابلة يقال عدل وظلم او عدل وجور , والجور هو التجاوز فى الحقوق بما يجعل الحق منقوصا , كلمة الظلم جامعة وشاملة ويمكن للظلم ان يكون فى كل العلاقات الانسانية فى حالة تجاوز القوي على الضعيف فى اي حق من حقوقه , لا بد من معيار عادل تعرف به الحقوق فلا يقع التجاوز فيها , اذا ثبت الظلم فهو محرم وفى موطن الانكار , من يظلم هو الذى يملك القوة,  اما الضعيف فلا يمكنه ان يظلم , لانه لا يملك القوة ,  وقد يصدر منه فعل ظالم ضد ظالمه فى حالة الانتقام منه فقد يعتدى عليه , كل مظلوم يحقد على ظالمه والحاقد قد يظلم تعبيرا عن حقده , ولذلك جاء الاسلام باحكام منصفة وعادلة تخفف من مظاهر الظلم فى المعاملات والعقود ..

المصلحون فى كل العصور التاريخية رفعوا شعار العدالة ومقاومة الظلم والتصدى لرموزه , كل الاحكام الفقهية بنيت على قاعدة تحريم الظلم فى المعاملات , لا احد من اهل العلم والفقهاء قديما وحديثا  اختلف فى نحريم الظلم ولكنهم اختلفوا فيما يمكن ان يكون من الظلم , اشكال الظلم متجددة , عندما يقع التجاوز فهذا هو الظلم , كل ماحرمه الدين من انواع المعاملات فقد حرمه لانه يتضمن شكلا من اشكال الظلم , فى الحقوق والاموال ..

 وقد تكلم ابن خلدون عن جانب مهم فى الظلم وهو اثره على العمران , وقال الظلم مفسد للعمران والحضارة , وعلل ذلك بان النفوس اذا شعرب بالظلم انكمشت وانقبضت عن النشاط والكسب وبذلك يضعف العمران , وقد لفت اهتمامى هذا الجانب المهم فى الظلم , لان العمل والنشاط يحتاج  الى ارادة انسانية وبواعث تدفع الى النشاط , فاذا شعر الانسان بالظلم انقبضت نفسه وتوقفت عن الكسب واكد هذا المعنى فى مقدمته فى الصفحة 507 بقوله وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن الاكتساب , فاذا كان الاعتداء عاما فى جميع اوجه المعاش  كان الانقباض عاما وكان القعود عن الاكتساب كذلك لذهابه بالامال , واذا كان اقل فى بعض اوجه المعاش كان الانقباض بمقداره , وهذا الربط الدقيق بين الظلم والعمران امر مهم وهو يفسر الكثير مما نحتاج اليه من فهم نمو الحضارات وازدهار المجتمعات وتقدمها , ومما لفت اهتمامى ان ابن خلدون لم يتوقف عند حدود الاهتمام الدينى والاخلاقى بتحريم الظلم وانما ركز على الجانب الاخر الذى يبرز الاثر النفسى للظلم على تطور المجتمعات فلا يمكن ان يزدهر اي شعب الا اذا اندفعت النفوس الى الامام من غير شعور بالاحباط والتردد والخوف من بطش الاقوياء والعدوان عليهم واغتصاب حقوقهم واموالهم بما يملكون من وسائل القوة والجاه والنفوذ ,

 اما اشكال الظلم فهي كثيرة , ومن ابرزها اغتصاب الحقوق وانتقاص قيمة الاعمال فمن ينتقص حق اجيره مستغلا ضعفه فقد ظلمه لانه اكل جزءا من حقه , وهذا كثير فى ظل غياب قوانين اجتماعية تحمى الطبقة الفقيرة , اما الذين الذين يغتصبون حقوق المستضعفين فقد يكونون من اصحاب القوة والنفوذ فى مجتمعهم ممن يملكون سلطة الاغتصاب , وهناك فئة هم جباة الاموال العامة الذى يعتدون على حقوق المستضعفين , واليوم نلاحظ ان الكثير من الظلم تمارسه الدول الكبرى ضد الشعوب المستضعفة والدول النامية التى اثقل كاهلها تلك المديونيات الثقيلة ثمنا لسلاح تحتاج اليه او سدادا لاقساط ديون قد تستهلك الكثير من مواردها , ما اقسى ما تعانى منه الشعوب الفقيرة من طغيان الدول الكبرى التى تستغل ضعف تلك الدول لكي تفرض عليها تنازلات مذلة فى حقوقها المشروعة , وهناك الاحتكارات الكبيرة التى يمارسها الاقوياء على المستضعفين فى تلبية احتياجاتهم الضرورية فى الغذاء والمطالب الضرورية , ظلم اليوم اشد قوة وطغيانا لانه يظلم شعوبا تحتاج الى عدالة انسانية تخفف عنهم اعباء الفقر والحاجة لتحقيق تنمية اجتماعية تنهض بتلك المجتمعات فيما هو ضروري لها , ظلم اليوم اشد قسوة مما كان , ظلم اليوم تحميه قوانين لا رحمة فيها تكرس الفقر فى مجتمعات الفقر وتكرس الغنى فى مجتمعات الترف والطغيان , السلام لا يتحقق اذا لم تكن العدالة الحقيقية التى تحترم حقوق الاغنياء فيما يملكون من غير ظلم وحقوق الفقراء فيما يحقق لهم الكفاية والكرامة من الاجور والحقوق الانسانية  فى ظل مفهوم للتكافل والتعايش اكثر عدلا ورحمة وانسانية …

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( الزيارات : 645 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *