قضية الايمان لا تخضع لمنهج العقول

كلمات مضيئة…قضية الايمان لا تخضع لمنهج العقول

كنت اثق بالعقل واجد ان العقلانية منهج لا خيار للانسان الا ان يعتمده فى حياته للتغلب على الجهل والاوهام المتولدة من خوف الانسان من الحياة , ولكن لم اشعر قط ان العقل يمكنه ان يصل الى الحقيقة المطلقة وفهم كل الاسرار المرتبطة بالطبيعة والانسان , لان العقل يعتمد على الحواس الظاهرة وهو وليد واقعه ويتأثر بما حوله من العوامل التربوية والميول والاستعدادات والذكريات وكل الافكار هي وليدة ما فى الذاكرة  , ما اشد جهل الفلاسفة وهم يعتقدون ان العقل يمكنه ان يدرك كل شيء عن الماورائيات وخاضوا فى موضوع الالهيات وجعلوا العقل هو الاله الذى تجب  الثقة به , ويجب ان نفرق بين امرين الدين وما يرتبط به من التسليم بكل اصوله الايمانية المتعلقة برؤية الدين للخلق والوجود والانسان , وبين الموقف من سلطة رجال الدين وبخاصة الكنيسة  فى مواقفها التاريخية من العلم والعقل والحرية والتغيير الاجتماعى , امران مختلفان وكل منهما يختلف عن الاخر , الايمان بالدين  يعنى الايمان بالله وما جاء من عند الله عن طريق الوحي والنبوة , هذا امر لا يمكن للعقل ان يدركه لانه ليس من المعقولات الخاضعة لمعايير الحس , الايمان موطنه الفطرة الانسانية,  وهي اكثر يقينا من يقينيات العقول , وهذه الفطرة مؤثرة فى العقل وموجهة له , وهي كصفحة المرآة الصافية تنطبع فيها الحقيقة الايمانية بطريقة تلقائية من غير تكلف ولا تامل , ويمكن للانسان ان يتوصل الى الايمان بالله بطريقة فطرية , فالطبيعة التى اوجدت الانسان من عدم هي التى تلهمه معنى الايمان بالله  , وان الكون لا يمكن ان يكون من غير الايمان بخالق الكون الذى خلق واحكم خلقه , الانسان الطبيعى يمكنه ان يتوصل الى الله كما توصل حي بن يقظان الى الله من غير معلم وموجه , ليس المهم ان يكون تصورهم عن الله , واحدا ولكن المهم ان يكون الايمان ,  واكثر العقول فهما وسعة لم تستطع اثبات عكس ذلك , اما ادانة موقف الكنيسة واتباع الاديان وما اضافوه الى الدين من المفاهيم فذلك امر مختلف,  ومن اليسير اخضاع ذلك لمناهج النقد العقلى والعلمي  من غير انكار لثوابت الدين واصوله المرتبطة بالخلق والكون والانسان , القضايا الايمانية اقوى وارسخ واقرب دلالة مما جاءت به العقول فى قضايا الايمان , اما قضايا التكليف فالعقل هو المخاطب بها وتشمل كل ماخاطب الله به الانسان مما يتعلق يالحقوق والمعاملات والنظم والاخلاق والقيم , مهمة العقول ان تتامل وتفكر وتبحث عن المقاصد المرجوة وهي مصالح العباد فيما هو الاعدل والايسر لهم فيما لا تجاوز فيه لحق من حقوق الله او حقوق العبد , كل عصر له خصوصيته وله فكره , والمكلف متجدد وهو مخاطب ولا يتوقف الخطاب , وكل مخاطب مسؤول بنفسه عما خوطب به  ويجب عليه ان يجتهد فى امره , ومن قلد من هو اعلم منه فقد اجتهد , ولا وصاية على جيل او فرد او عصر , وعندما يتجدد المخاطب يتجدد التفسيروتحترم روح الخطاب ومقاصده , وهي المصالح المشروعة , ولا شيء اهم منها,  واداة فهمها هي العقول المخاطبة والمؤتمنة , عندما يضيق الفهم تعجز العقول عن تحقيق التقارب والتوافق , وعندما تحسن الفهم وتدرك المطلوب لاتجد ما يدفعها للتردد , من لا يحسن الفهم لا يحسن التوفيق بين الثوابت والمطالب , وهذا كثير فى عصر التخلف حيث تتحكم الاهواء وتفسد النفوس , وهنا يقع التعارض بين ماهو مطلوب وبين ماهو ممكن , عندما تتضارب المصالح بين الطبقات والطوائف او بين الحاكمين والمحكومين يحاول كل فريق ان يبرر ماهو عليه وما يريده ان يكون , من اليسير على العقل ان يدرك الحق والصواب ولكن ليس ما تدركه العقول يمكنها التعبير عنه , عندئذ ينسب الى الدين ماليس منه من المفاهيم ,  واذا لم تتحرر العقول من المؤثرات الخارجية فمن الصعب الثقة بها , هناك من يريد الدين مطيته لبلوغ ما يريد , اذا لم تتحرر مفاهيم الدين من قبضة المصالح فمن الصعب ان تفهم مواقف الدين الحقيقية , اهم ثوابت الدين الى جانب الايمان والدعوة الى العمل الصالح هو الدعوة الى الخير واحترام الحياة والانسان والعدالة الحقيقية وتوفير اسباب الاستقرار والسلام , لا يمكن للدين ان يكون اداة للعدوان او يشجع على العدوان او يتخلى عن المظلومين والمستضعفين , اداتنا للفهم وحسن التمييز هو العقل المخاطب , ومن طبيعة العقول انها تحسن التمييز ولكنها لا تجد الشجاعة للتعبير عن قناعتها الاخلاقية , وهذه هي محنة الاجيال المتعاقبة التى كان يدفعها  لاختيار مواقفها هي مصالحها , والدين ليس مسؤولا عن تحمل اخطاء اتباع الدين , من اليسير ان نرفع شعار الثقة بالعقل , ولكن اي عقل هذا الذي يمكننا الثقة به , الدين يظل ضمانة لاختيار المواقف الاخلاقية لان الدين يملك وازعا للاستقامة لا تملكها العقول , الوازع الاخلاقى ليس موطنه العقل ابدا , وانما موطنه هو الضمير الداخلى والذى يمكنه ان يحكم قبضته على العقول لكي لا تفعل ما حرمه الله على عباده , الدين عامل اساسي فى تكوين معالم الشخصية الاخلاقية الملتزمة , العقول تميز ولكنها تفتقد الالتزام الاخلاقى ,فالعقول فى العادة تتحكم فيها المصالح , ولا يمنعها من الظلم الا الخوف من القانون او المجتمع , وعندما تامن على نفسها من العقاب تتجاوز من غير اية رقابة داخلية, كل هذا لا ينبغى ان يفقدنا الثقة بالعقل  , فالعقل فى كل المعقولات هو الاداة لحسن الفهم , وكل العلوم تخضع لسلطة العقل , وهو اداة الفهم لضمان اختيار ما هو اقرب للصواب , عندما نضعف الثقة بالعقل فمن المؤكد ان تنتشر الاوهام والخرافات وتزداد رسوخا عندما يجرى تجاهلها والتعامل معها كواقع معترف به , لتبرير الواقع , وهناك من يحرص على تشجيع الظواهر السلبية لا سباب مختلفة ..   

( الزيارات : 613 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *