كل تاريخ يعبر عن عصره ومجتمعه

كلمات مضيئة..كل تاريخ يعبر عن عصره..

من اهم من كتب عن فلسفة التاريخ العلامة ابن خلدون المتوفى عام 732 هجرية , وقد كتب مقدمته عن فلسفة التاريخ , وهي المقدمة التى اثارت اهتمام المفكرين والعلماء نظرا لاهمية تلك المقدمة , واعتبر ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع , وكان يرى  ان الاجتماع الانسانى امر ضرورى لان كل انسان يحتاج الى الاخر للقيام بما يحتاج اليه , ولا احد يمكنه ان يستغنى عن الاخرين , ذكر ابن خلدون فى مقدمة المقدمة ان الرواية التاريخية لا تخرج عن اصول العادة وقواعد العمران , ولذلك خصص المقدمة لبيان ا وجه العمران البدوى والحضرى وتكلم عن الدولة والعصبية واوجه المعاش والعلوم , وقد تفرغت فترة من الزمن لدراسة تلك المقدمة واصدرت عدة كتب عن ابن خلدون وبيان افكاره , فى بداية المقدمة تكلم ابن خلدون عن الخبر التاريخى والخبر الشرعى ,  ولكل منهما منهجه فى التوثيق , اما الخبر التاريخي فيعتمد على العقل اولا اما الخبر الشرعى فيحتاج الى صحة الاسناد وعدالة الرواة , وهناك سؤال يتردد وهو كيف يمكننا التأكد من صحة الرواية التاريخية , المعيار هو العقل وهو ان يكون الخبر معقولا وممكنا من الناحية الواقعية , فهناك من الروايات ما لا يمكن ان يكون صحيحا لعدم امكان وقوعه , والخبر اما ان يدخله الكذب او الوهم او المبالغة , وهذا كثير فيما نقراه فى كتب التاريخ وكتب التراث , عندما نعتمد على العقل فمن اليسير ان نكتشف الكثير من المبالغات والاوهام , وهذا يدفعنا الى عدم الثقة بتلك الروايات التاريخية , ان اعتماد المؤرخ على العقل فى التمييز بين الصحيح والسقيم من المرويات يؤكذ ثقة ابن خلدون بالعقل فيما يتوصل به , منهجية ابن خلدون تشجعنا على اكتشاف الكثير مما دخل فى تاريخنا مما لا اصل له , الغاية من التاريخ الاقتداء بالاقدمين فيما مر بهم من التجارب الانسانية وهي المدرسة الاكثر اهمية فى تعليم الاجيال اللاحقة , حاجتنا اليوم الى تلك المنهجية العقلانية لدراسة كل المرويات التاريخية لتجريد التاريخ من الاوهام والمبالغات , هناك الكثير مما لا يستقيم معناه مع واقعه , عندما نفكر جيدا بعقولنا فى كل المرويات فمن اليسير ان نكتشف الكثير من المبالغات والاوهام , وهذا منهج لا يقتصر على التاريخ وانما يجب ان يشمل كل المرويات التى تفتقد التوثيق الصحيح والاسناد المعتمد , لا شيء من جهد العقول لا يخضع للنقد العلمى المعتمد على معايير عقلية لامجال للشك فيها , عندما نفهم قواعد العمران وما جرت به الاعراف وما يمكن ان يكون فلسنا بحاجة لتلك المبالغات التى لا تقبلها العقول , هناك الكثير مما يجب اخضاعه لمنهجية نقدية صارمة وهذا قرار يحتاج الى شجاعة وكل المناهج النقدية تجد الكثير ممن يتصدى لها ممن اعتادوا عليها

   اما القضية الثانية التى تحتاج الى دراسة فهي الاهتمام بالرواية التاريخية فى اطار عصرها ومجتمعها , وهي معيار لفهم طبيعة تلك المجتمعات فيما كان عليه ذلك المجتمع , لا شيء مما كان يمكنه ان يتجدد بنفس ظروفه التى ادت اليه و كل الافكار والمناهج والمذاهب والطوائف هي وليدة واقعها الثقافى والاقتصادى والسياسي  وهي وليدة  حاجة مجتمعها فى تلك الفترة ولا تتجاوزه الى عصر اخر اذا اختلفت الظروف  وهي تؤدى مهمتها فى ظل الاسباب التى ساعدت على نشوئها , مهمة فلسفة التاريخ ان يدلنا على تطور المجتمعات من خلال الاحداث التاريخية , اذا اردنا ان نفهم الاسباب التى ادت الى ظهور فلاسفة عصر الانوار كما يسمونه فيجب ان نفهم العصر الذى نشات فيه تلك الشخصيات,  واهمها سيطرة الكنيسة وتحالفها مع الاقطاع والملكيات المستبدة فى المجتمعات الاوربية , من الطبيعى ان ينتصر العقل على الجهل والاساطير والخرافات باسم الكنيسة فى تلك الفترة  , وعندما ندرس تاريخ الفرق الكلامية فى مجتمعنا الاسلامى فقد كانت تعبر عن تلك المجتمعات فى تلك المرحلة التاريخية التى شهدت مناقشات  ونزاعات بين مختلف التيارات الفكرية والمدارس الفقهية , واهمها مدرسة الحديث ومدرسة الراي , وكان من الطيبيعى ان تنشا المدرسة التى كانت تحاول ان تجمع بين المدرستين المتباعدتين فى منهج جامع لما تباعد من الاراء وكل فكر يؤدى الى نقيضه فى رحلة من التناقضات المتعاقبة للتعبير عن البحث عن الحقيقة  , لقد ادى ذلك الاختلاف الى اغناء الفكر الفقهي بالكثير من ذلك الثراء  الفقهي , ولعل هذا هو الذى ادى الى ظهور علم اصول الفقه لضبط المنهج الاجتهادى مما كان فيه الانقسام  فى الثوابت والاصول , تلك مرحلة غنية بما انتجته وهي الفترة التى شهدت ازدهار العلوم الكلامية والتدوينات الفقهية والاصولية ,  كان من الممكن ان تستمر تلك النهضة العلمية فى مختلف العلوم الاسلامية ولكن من المؤسف ان المناهج العقلية تراجعت لصالح منهجية التقليد التى انتشرت وترسخت , ومن ابرز اثارها هو ذلك التعصب المذهبى والانقسام الطائفى والاختلافات السياسية والحروب بين الدول الاسلامية لا سباب مذهبية وقبلية وقومية , وتراجع الفكر لصالح الصراعات  السياسة , لم يكن الدين هو سبب الانحطاط والتخلف والجهل الذى اصاب المجتمعات الاسلامية,  وانما السبب هو الجهل بالدين وتسخير الدين والعبث بمفاهيمه لتبرير الخلافات والانقسامات , عندما أتكلم عن الدين فلا اريد به تلك الصورة التاريخية للدين وانما اريد به حقيقة الدين كعامل توحيد وتقريب وكمنهج ايمانى وروحي لتكوين الشخصية المحبة للخير والمتطلعة لسلوكيات الكمال , فى ظل الدين الحق سوف نجد المجتمع الاسلامى اكثر تماسكا وانسجاما,  وعندما يضمحل دور الدين فى مجتمعنا بسبب العبث بمفاهيم الدين والجهل بمقاصده  فمن المؤكد اننا سوف نفقد الكثير من الدوافع الاخلاقية التى تسهم فى بناء الشخصية ذات البعد الانسانى ..   

( الزيارات : 966 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *