علمتني الحياة

أن أكسب أعدائي وأن أحسن إليهم ما استطعت , وألا أنتقم من عدوٍ ولو تمكنت منه , فإن كسبت عدوي فقد أضفت إلى أصدقائي صديقاً جديداً , وقد يكون هذا العدو القديم بسبب إحساني إليه أكثر إخلاصاً ووفاءاً , فانتقامي منه يعمّق عداوته لي ولا يفيدني في شيء , فإذا كسبته فقد ربحت صداقةً جديدةً , وهذا دليل قوةٍ , فالأقوياء لا ينتقمون ويخجلون أن ينتقموا , وإذا ما فعلوا ذلك فإنّهم يخفون انتقامهم أو ينسبون الانتقام لغيرهم , والنّفس بطبائعها الغريزية تحبّ الانتقام وتميل إليه , إلا أن العقل يأبى ذلك , والخلقُ كذلك , والانتقام ليس من شيم الكبار الواثقين من قوتهم , وإذا ضعف عدوك أو سقط على الأرض فكن أيّها الإنسان معه , وأمسك به , وتجاهل ما بينك وبينه ولا تذّله أبداً لكيلا يحقد عليك , فإن أحسنت إليه في ضعفه فقد ملكته , وافعل هذا لا لأجل مصلحة لك ولا لأجل كسبٍ تريده وإنما اِفعلْ ذلك إرضاءً لله تعالى , وعملاً بما أوجبه الله عليك من الإحسان إلى الناس , ومن فعل ذلك أثابه الله , وأكرمه في الدنيا , وهذا شأن الصالحين ممن طهّر الله قلوبهم من الأحقاد والخواطر السيئة , والسيد ليس هو الرجل القويّ بما يملك , وإنّما السيد هو الذي يعمل العمل الصالح والنافع , وهذه سيادةٌ حقيقيةٌ , ومن صفات السيد انه لا ينتقم ولا يفعل مالا يليق به من الأفعال السيئة , ويحسن لمن أساء إليه , ويتجاهل كلّ إساءةٍ …