لا حياة لمن تنادى..

علمتني الحياة
أنّه لا حياة لمن تنادي , ولن تستطيع أن تصنع من العدم وجوداً , ولا أن تبني فوق الرمال صروحاً وقصوراً, فلا تتعب نفسك في أملٍ لا يمكن أن يتحقق , فأنت تنادي الأحياء ولا تنادي من كانوا في القبور , فهناك الصمت الرهيب , وازرع في الأرض الخصبة فإن الزرع ينبت فيها بسرعة وتجيبك الأرض وأنت تحاورها , وتتفاعل معك وتناجيك , وتحبها وتحبك , ولكنك لا تستطيع أن تزرع في الأرض القاحلة فإنّها لا تجيبك وتخيب ظنّك فلا تتعب نفسك في مخاطبتها , ولا تأمل في عطائها …
و أنت أيّها المربي وأيّها المصلح لا تستطيع أن تحقق ما تريد إلا إذا كانت التربة خصبة والاستعداد قائماً للاستجابة , فالذين يتعبون من صعود الجبال لا يمكن لهم أن يرافقوك في رحلتك الشاقّة نحو القمة العالية , ولا بد من وجود الاستعداد وأيّ نهضة في أيّ مجتمع لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كان الشعب مستعدا لتلك النهضة ومؤمنا بها وساعيا إليها , والشعوب التي رضيت بالتخلف قلما تتطلع إلى الأعلى وقلما تكون مستعدة للتضحية بيومها في سبيل غدها , فلا بد أولاً من إيقاظ الموتى من غفوتهم , فإذا أفاقوا ورأوا جمال الحياة تمسكوا بالحياة ورفضوا العودة إلى صمت القبور وظلامها ,والشعوب التي لا طموح لها لا مستقبل لها , والجهل قاتل ومن الجهل ألا تعرف جهلك , ومن التخلف ألا ترى تخلفك , ومن لا يعرف جهله ولا يرى تخلفه فلا يمكنه أن يخرج من حفرته المظلمة , ويجب أن نبني الإنسان قبل أن نبني ناطحات السحاب , وأن نوقظ شعوبنا بعد غفوة طويلة وأن ندفعها إلى اختيار الأفضل في سلوكها وطموحها , وأن نهتم بالتربية والتكوين , وأن نتوقف عن سلوكيات الجهل والسفه , فما أكثر السفهاء في مجتمعنا وهم يحكمون وهم ينفقون وهم يفتون وهم يتاجرون وهم يخادعون , ويجب أن نثق بالجيل الجديد , وأن نعدّه الإعداد السليم تربية صالحة وعلماً نافعاً وخلقاً رفيعاً , وتطلعاً إلى الأفضل , وأن يُرفَع شعار الإصلاح والتغيير إلى الأكمل والأجمل والأعدل , وأن يُقاوَم المجتمع التّخلف لا بقلبه وإنّما بكل جهده, فالتخلف ليس هو قدر هذه الأمة , ولا هو اختيارها الوحيد , ولا يمكنها أن ترضى به , وهي تسعى نحو التغيير الذي تريده لتأكيد ذاتيتها وترسيخ هويتها الحضارية ومواصلة إسهامها في صنع قيم أصيلة تخدم مسيرة الإنسانية .

( الزيارات : 1٬870 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *