ليست كل العقول سواء..

كلمات  مضيئة..ليست كل العقول سواء

هناك من ينكر او يتساءل او يتململ من الاهتمام المبالغ فيه بالحديث عن الاخلاق والتربية فى الوقت الذى يتجه عالمنا المعاصر الى الاهتمام بقضايا التنمية والاقتصاد او بقضايا المجتمعات فى انظمتها السياسية والصراعات الدولية , اليس الاجدر ان نهتم بهذه القضايا التى يعانى منها مجتمعنا المعاصر فى شمال او جنوب .ز

 ذلك تساؤل مشروع واحيانا اطرحه على نفسي متسائلا عن مدى اهمية التربية الروحية ..اننا نتابع باهتمام قضايا عصرنا واهتمامات مجتمعنا فتلك قضايانا جميعا ولا احد هو اولى بها من الاخر , ويكمن الجواب فيما نعيشه اليوم من ازمات ومحن متلاحقة , مجتمعنا اليوم لا يشكو من قلة المدارس والجامعات ولا من قلة العلماء والمثقفين , ان الاعلام اليوم قد اسهم فى تيسير المعرفة , لم نعد كما كنا من قبل نشكو من الامية والجهل , المجتمعت الاكثر ثقافة هي التى تعانى من الصراعات والمنافسات وسباق التسلح وكأننا فى غابة ليس بها قانون , الاقوياء يدافعون عن مصالحهم ونفوذهم وهم الاكثر انانية وجشعا وقسوة ولا يعرفون معنى الرحمة ولا يعترفون باي حق للمستضعفين , انهم يريدون القانون الذى يحميهم والدين الذى يبرر لهم ما يريدون والثقافة التى تمنحهم الحق فى استعباد الاخرين واذلا لهم , احتكارات اليوم اشد من كل الاحتكارات وظلم اليوم اقسى من كل مظالم التاريخ , اليوم وبفضل الاعلام والتواصل الاجتماعى اصبحت المظالم والتجاوزات اكثر وضوحا .ز

  عندما نهتم بالتربية فاننا نحاول ان نبنى الانسان المواطن الذى يحسن الفهم والاختيار والقرار , مهمة التربية الروحية ان تنمى القيم الانسانية وان تعيد تكوين الانسان منذ الطفولة وفق مفاهيم راقية اكثر فهما لمعنى الحياة ومعنى الدين ومعنى المجتمع ومعنى القانون , الانسان يملك قوى غريزية خلقت له لكي يحافظ بها على كمال حياته , وهو بفضل هذه القوة الغريزية يأكل ويشرب ويبحث عن كل ما ارتبطت به حياته , وهذه هي القوة الاكثر اهمية وهي القوة الشهوانية , ويدافع عن وجوده بقوته الغضبية عندما يقع عدوان عليه , ولكن هذه القوى جامحة لا تعقل وهي جامحة اذا ترسخت وتمكنت , وهي كالناصح الشرير الذى تستشيره فى امرك فينصحك بما يضرك ويدفعك الى التهلكة ظنا منه انه يرضيك ويجعلك اسعد بما ييسره لك من الاهواء والشهوات , القوة الغريزية صديق جاهل يقنعك بما يرضيك , فى اوقات الراحة ييسر لك ما يسعدك من اللذات وفى لحظات الغضب يضاعف حقدك ويدفعك للانتقام والعدوان , ما اقسى ما يعانى منه هؤلاء الذين تتمكن منهم غرائزهم من مفاجآت ومحن بسبب غرورهم وجهلهم ..

 هناك قوة عاقلة يتميز بها الانسان وهي القوة العاقلة التى اكرم الله بها الانسان وميزه بها عن كل الخلق , مهمة هذه القوة انها تجعل صاحبها اكثر فهما لما يواجهه واقدر على التمييز بين الصحيح والخطا وما يمكنه ان يكون ومالا يليق ان يكون , هذه القوة التمييزية العاقلة تبدأ صغيرة فى الاطفال ثم تنمو وتكبر رويدا رويدا كما تكبر الابدان وتحتاج الى غذاء متجدد من  التجارب والمعارف المفيدة , ليس كل طعام يغذى الابدان وليس كل ماتتعلمه  يغذيك ويعلمك ويسهم فى رقيك , ولهذا تتفاوت قدرات العقول ومداركها , وليست سواء فى حسن الفهم وسداد الرأى , اسوأ الناس هم الذين يكبرون ولا تكبر عقولهم , وهؤلاء تظهر عليهم اثار السفه وهم لا يعلمون ويظنون انفسهم حكماء وعقلاء , فى عصر السفه يكثر السفهاء لانهم يظنون ان السفه حكمة وشجاعة , السفيه يحجر عليه , اما فى عصر السفه فان الحكماء يحجر عليهم لانهم ليسوا سفهاء , مهمة التربية الروحية انها تعمق المشاعر الايمانية الصادقة وتجعل النفوس اكثر صفاءا واستقامة , النفوس اذا صفت وطهرت كانت اكثر استقامة ورحمة لا تظلم ولا تحقد ولا تعتدى وتحترم كل الاخرين , صفاء النفوس ليس ترفا وليس ضعفا وليس تخاذلا او غفلة , انه رقي فى الفهم وسعة فى الصدر واستقامة فى السلوك , ليس كل العقلاء تتحكم فيهم عقولهم اما  السفهاء فتتحكم فيهم اهواؤهم , العقول هي طاقة متجددة من النور والضياء وهي مستمدة من النور الالهي الذى ينير به قلوب الصالحين من عباده .  

( الزيارات : 990 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *