مؤتمرات التصوف الاسلامى

ثامناً مؤتمرات عن التصوف الإسلامي

كان المغرب بلد التصوف وكان معظم الشخصيات الصوفية التي حظيت بالمكانة الشعبية الكبيرة والمرجعية الصوفية من أصول مغربية , ويحظى شيوخ الصوفية الكبار في المغرب بمكانة كبيرة في المشرق العربي وبخاصة في الشام ومصر , واشتهر المغرب في البلاد الإفريقية كعاصمة إسلامية متميزة بعلمائها وأوليائها وصلحائها وحلقات العلم فيها ومخطوطاتها النادرة وبخاصة في مجال العلوم الإسلامية , وقد عقد مؤتمر كبير في مدينة فاس للتصوف الإسلامي , وشارك فيه عدد كبير من شيوخ الطرق الصوفية في إفريقيا وبخاصة من أتباع الطريقة التيجانية المنتشرة في عدد من البلاد الإفريقية , والغاية من هذا المؤتمر إحياء دور هذه الطرق وتوحيد كلمتها ومناقشة مناهج الدعوة الصوفية والتقريب بين أتباع هذه الطرق وإبراز دور المغرب التاريخي في تشجيعه للدعوة الإسلامية في إفريقيا , وإحياء العلاقة التاريخية بين المغرب والجمعيات الإسلامية في إفريقيا , وهذه خطوة جيدة ومفيدة وتؤكد دور المغرب الثقافي والإسلامي في البلاد الإفريقية , والمغرب يملك الكثير في إفريقيا ولو استثمر مكانته الإسلامية لاستطاع أن يكسب الكثير من التأييد الشعبي لمصالحه ولمواقفه , وهذا ما يسعى إليه المغرب , ومعظم الشعوب الإفريقية المسلمة تنظر إلى المغرب بتقدير واحترام ولا شك أن أحياء دور القرويين  والتوسع في قبول طلبة إفريقيا  سيمكن المغرب من تكوين قاعدة شعبية لدى مسلمي إفريقيا , وقد أسهمت الطرق الصوفية في انتشار الإسلام في أفريقيا , وهذا أمر جيد، فالصوفية أقوى تأثيراً في المجتمعات ، لأنها تنمي الجانب الروحي وتعمق الروابط الأخوية، وتغذى مشاعر المحبة والأخوة بين أتباع الطريقة ويؤثر مرشد الطريقة في تكون وحدة المرجعية، وينظر إليه أتباع الطريقة من المريدين نظرة الاحترام و التبجيل ، ويقدمون الولاء له ويتباركون به، ويعتقدون بامتلاكه لقدرات روحية فائقة ..  

والطرق الصوفية هي مناهج عبادة وأذكار لرجال من العبَاد الصادقين الصالحين من أهل الأذواق الروحية والمقامات العالية ، وقد ورث عنهم أتباعهم مناهجهم فى  العبادة و الأذكار والأدعية والأحوال ، وسميت بالطرق، وتعددت هذه الطرق، ولكل طريقة منهجها المتميز المنسوب لمؤسس الطريقة وشيخها الأول ، كالطريقة الشاذلية والنقشبندية والقادرية والتيجانية والمهدية والسنوسية والرفاعية والكتانية والدرقاوية , وانتشرت كل طريقة في منطقة وبين جماعة معينة، وهو اختيار شخصي تتحكم البيئة فيه وتتوارثه الاجيال ، كما انتشرت المذهبية الفقهية كذلك…

وكنت أؤكد في محاضراتى وفى كتابى عن الصوفية  على أهمية التربية الروحية في المجتمع الإسلامي، وأشيد بالصوفية الملتزمة بالثوابت الشرعية في مجال العقيدة والسلوكيات والقيم الأخلاقية ، وأرفض الصوفية المتطرقة والمنحرفة والتي تؤمن بأفكار مناقضة للثوابت العقيدة الإسلامية، وبخاصة فيما يتعلق بقداسة الشيوخ وعصمتهم ومعرفتهم بالغيب وقدرتهم على فعل المعجزات والكرامات ..

والمعجزة ثابتة للأنبياء ، والكرامة  ممكنة للأولياء والصالحين، إلا أنه لا يجوز المبالغة في نسبة الكرامات إلى الشيوخ بطريقة ساذجة وكأنهم يملكون أسرار الكون ويتحكمون في الكون كما يريدون، ويرفعونهم فوق درجة البشر وينسبون إليهم كل شيء، وهذا لا يجوز للأنبياء فضلاً عن غيرهم..

ويعود السبب في ذلك إلى جهل الإتباع بحقيقة التصوف، وليست غاية التصوف تحقيق الكرامات وخوارق العادات , وإنما الغاية من التصوف التحقق بالعبدية لله تعالى وتذكية النفوس من الآثام و طهارة القلوب من الخواطر السيئة، وتعلق القلب بالله تعالى , والزهد في الدنيا, و نسبة النعمة إلى المنعم وهو الله، والأدب مع الله ومع الناس ,والالتزام بأحكام الشريعة , وأداء العبادة بآدابها الشرعية والسيطرة على الشهوات والتحكم في النفس عند الغضب، واستحضار الله في كل الأعمال والعبادات , والعمل في سبيل الله ومحبة الناس والإحسان إليهم,  ومساعدة الفقراء والضعفاء والمرضى والأطفال والأيتام والعجزة، والصدق في المعاملة , وشكر الله على نعمه والصبر على ما قدره الله ومراقبة الله في كل الأعمال ومحاسبة الناس عن كل الذنوب والندم على كل المعاصي والآثام ..

هذه صوفية محمودة ومطلوبة لأنها تسهم في تكوين المجتمع المؤمن بقيم الإسلام السامية التي تنمي القيم الروحية وتنهض بالإنسان إلى الأعلى فكراً وسلوكا وهمة وإرادة وخلقا  .. وهذه الصوفية يجب أن تشجع وكل طريقة صوفية تقود إلى الله وتدعو إلى الالتزام بأخلاقية الإسلام يجب أن تشجع وتحترم ..أما صوفية الجهل والتخلف والانحراف والقيم الفاسدة والعقائد المنحرفة والطقوس المنفرة والسلوكيات المخالفة لثوابت الإسلام فهي صوفية مذمومة , وليست من الإسلام فى شيئ ,ومن خالف ثوابت الإسلام فلا يمكن أن يستظل بمظلة الإسلام..  

وكنت قد نشأت في بيت صوفي وتربيت على يد جدي المربي الكبير الشيخ محمد النبهان  المتوفى عام 1974 بمدينة حلب , ودفن بالكلتاوية المنسوبة إليه,  وهو مجدد في الفكر الصوفي وصاحب منهج روحي مميز,  وله مدرسة في التربية الصوفية الأصيلة ,  وقد تأثرت بفكره الصوفي الأصيل وتربيت على قيم روحية راقية وسامية , وقد أثّرت هذه الشخصية في شخصيتي وسلوكي وفكري,  ورفعت شعار الصوفية الأصيلة صوفية المعرفة وصوفية التزكية , أما صوفي الطقوس والكرامات والحكايات الموهومة والادعاءات غير الواقعية والسلوكيات المخالفة لثوابت الشريعة فلا يمكن القبول بها , وهي ظواهر سلبية وليست من الصوفية الحقة , ويأباها أهل الورع والإخلاص , ولا يرضى بها أهل الصدق والاستقامة من العلماء والصلحاء , وهي تنتشر في المجتمعات التي يسود فيها الجهل والتخلف , وما ينكره العلماء  على الصوفية هو هذا الجهل بحقيقة الصوفية وتشويه أفكارها ومناهجها وغاياتها,  وقد ألفت كتابا عن مبادئ التصوف الإسلامي أوضحت فيه معالم الفكر الصوفي كما هو في منهاج الأولين من أعلام الفكر الصوفي , و كل ما يخرج عن هذا المنهاج الأصيل بما يحرّف هذا الفكر ويشوه معالمه بأفكار وسلوكيات منحرفة ومخالفة لثوابت الشريعة فلا يعتبر من التصوف الحق الذي نؤمن به , ويجب أن تكون التربية الصوفية أداة لتكوين المجتمع المؤمن بالقيم الروحية والذي يتطلع إلى الكمال الخلقي ويتمسك بالقيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية ويرفع شعار الإصلاح الأخلاقي لكي يكون المسلم مثالا للإنسان الكامل في قيمه وأخلاقه واستقامته…

 إننا نريد صوفية الكرامة الإنسانية وصوفية العلم والمعرفة,  وصوفية العمل والنشاط,  ولا نريد صوفية الكسل والإهمال والاعتماد على الغير,  ولا صوفية الإيمان بالأساطير والحكايات والمبالغات,  فهذه صوفية ضارة وتكرس القيم المتخلفة ,وإننا ندعو طرق الصوفية إلى الالتزام بالشريعة والتخلق بالأخلاق الإسلامية الرفيعة وتنمية القيم الروحية الأصيلة والتمسك بالاستقامة والنزاهة والزهد والتواضع والاعتزاز بخدمة المجتمع ومساعدة المذنبين على التوبة والزهد في الدنيا والتعلق بالله والعمل الصالح....

 

( الزيارات : 1٬305 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *