ماقدر على الانسان سيكون

علمتني الحياة

أن ما قدر لما ضغيك أن يمضغاه لا بدّ إلا أن يمضغاه ، وما قُدِّر للإنسان في الأزل أن يكون لا بد إلا أن يكون ، وليس هناك ما يمنع من قضاء الله ، وكلّ الأسباب المادية ما هي إلا أسباب لتحقيق ما قُدِّر للإنسان ، والإنسان مدفوع بغير إرادته إلى ما قُدِّر له ، والإنسان مقَدَّرٌ له أن يختار ما هو مكتوب له ، ولا يدري الإنسان ما هو مقَدَّرٌ له إلا بعد وقوعه ، وهو يجري باختباره الظاهر نحو ما قدر له ، والاختيار واضح في حركة الإنسان ، ولكن الله هو  موجه الاختيار وميسر أسبابه ….

ولا يشعر الإنسان بأنه مجبر على شيء ، فلا إجبار ، ولكن الاختيار موجه بأمر الله ، ويجري الإنسان نحو قدره بحريته وإرادته واختياره ، وهذه عظمة الإرادة الإلهية ، الموجهة لكل ما في الكون ، والإنسان جزءٌ من هذا الكون ، ويعتقد الإنسان أنه صانع مجده ، وجامع ثروته والمتحكم في أمر نفسه ، ولا يدري أنه يتحرك بأمر الله ، والمؤمن يريح نفسه من التدبير ، فالله هو المدبر ، ولا بدّ من الأخذ بالأسباب الظاهرة ، فإرادة الله مرتبطة بالأسباب ، ووفق القوانين التي تحكم الكون ، وما يريده الله يكون عن طريق الأسباب ، ولو تحققت إرادة الله خارج نطاق الأسباب لاختل نظام الكون ، فالرزق لا يكون إلا بالأسباب ، والنصر لا يتحقق إلا بالأسباب ، وذلك تحقيقاً للعدالة الإلهية ، ولا يحتج بقضاءعلَّمتني الحياة

أن ألتمس العذر للخلق فيما هم فيه ، لا إقراراً بما يفعلون من سيء الأعمال ، ولكن رحمة بهم فليس هناك من يختار الرذيلة عوضاً عن الفضيلة ، وليس هناك من يختار لنفسه الانحراف بدلاً عن الاستقامة ، وليس هناك من يختار الشرَّ على الخير ، ولكن كل فرد مدفوع باختياره إلى قدره ، وقد يؤلمه هذا الاختيار ولكن لا سبيل للخروج مما هو فيه إلا بأمر الله ، فمن اختار طريق الانحراف فمن المؤكد أنه ليس سعيداً بانحرافه ، ولكنه ليس قادراً على التخلص مما ابتلي فيه ، فالمدمن على المخدرات ليس سعيداً بإدمانه على سلوك ضارٍّ به وبصحَّته وبسمعته ، ولكنَّه ليس قادراً على التخلُّص منه ولو أراد ذلك ، ومن ابتلي بشرب الخمر أو بشيء من السلوكيَّات السيِّئة فهو أشقى الناس بما ابتلي به ، وليس بإمكانه أن يخرج من تلك الحفرة القذرة المظلمة ، ومعظم هؤلاء ليسوا راضين عما هم فيه ، ويدعون الله تعالى أن يخرجهم مما هم فيه ، وأن يتوب عليهم من هذه   الآثام ، أفلا يستحق هؤلاء أن نقف معهم مساندين وأن نمدّ أيدينا إليهم بصدق وإخلاص لإنفاذهم مما هم فيه ، ألا يحتاج الغريق إلى من يأخذ بيده ، هؤلاء يحتاجون إلى كلمة طيِّبة ونصيحة صادقة تمنحهم الأمل والبسمة وتشجِّعهم على التوبة ، وتنير طريقهم ، وعندما يريد الله بهم الخير يشرح قلوبهم للحق ، وفجأة تنقلب القلوب ، وينتقل هؤلاء من الظلمة إلى النور ومن الضلالة إلى الهداية .

 

( الزيارات : 747 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *