مجتمع العلم ورسالة الحياة..

ذاكرة الايام..مجتمع العلم ورسالة الحياة .

مازالت الجلسات العلمية هي الاحب الى نفسي , وهي جلسات حوار علمي هادئ لا انفعال فيه , كان طلابى هم الاحب الى نفسي , كنت استمتع عندما كنا نتحاور حول قضية علمية او منهج لدراسة او اختيار مخطوطة علمية لتحقيقها واعداد دراسة عنها , كانت المهمة العلمية محببة الى نفسى وما اردت ان اتجاوزها باية مهمة اخرى , كنت ارفض اية مهمة ادارية مهما كانت , قد يكون العمل الادارى ممتعا ويحقق طموحات الطامحين ,  ولكن العمل العلمى ارفع مكانة فى نظر من يحب العلم وينشغل به , وتشعر به انك تحقق هدفا وتؤدى رسالة وتتعامل مع طبقة اختارت العلم وسارت فى طريقه  , هناك نماذج رائعة ممن التقيت بهم خلقا وتربية وادبا وفهما , وكان هذا مما يسعدنى وكنت اشتاق لتلك الجلسات العلمية فى كل صباح او مساء  , عندما كنت اجد من يملك موهبة العلم وحسن الفهم كنت افرح به واشجعه بكل طاقتى واساعده فيما املكه , وكنت محظوظا فيمن  صادفته من  زملاء وطلاب , عرفت الكثير من الاعلام فى مجال اختصاصهم العلمى المتعدد  , والعلماء فى كل الاختصاصات العلمية هم ارقى فهما واكثر ادبا من غير العلماء , لان العلم لا بد الا ان يترك اثره فى اسلوب حياتهم وفيما يختارون من سلوكيات , اذا اجتمع العلم والتقى والصلاح  فمن اليسير ان يكون صاحبه متميز الخلق والفهم , ما زلت اذكر الكثير ممن زاملتهم فى مسيرتى العلمية فى عدد من الجامعات , فى الرياض والكويت  وقبلها فى دمشق والقاهرة , وقد التقيت فى الكويت بنخبة متميزة رائدة من افضل الكفاءات العربية , و من افضل الرموز العلمية الشامخة فى مختلف الجامعات المصرية والعراقية والسورية الذين اختارتهم الكويت للتدريس فى جامعتها الفتية , كنا نلتقى كثيرا  فى الندوات الجامعية وكانت كثيرة وغنية  , وقد استفدت منها  كثيرا فى السنوات الاولى من حياتى العلمية , كنت احب ان اختلط بكل الكفاءات العلمية من مختلف التخصصات العلمية وبخاصة فى العلوم الانسانية والدراسات القانونية , كنت احب ان اراهم  فى حياتهم الشخصية وكما هم , مجتمع العلماء كبقية المجتمعات لا يختلف عن المجتمع الذى ينتمون اليه , تجد كل النماذج المختلفة , هم كبقية الاخرين عندما تقترب منهم , تجد الرجل الصالح الذى تعجب به فكرا وادبا ورقيا , وتجد النماذج الاخرى التى يمكن ان تنكر عليها  افعالها , كل شيء يمكنك ان تراه , ليس كل الناس على درجة واحدة من الاستقامة الخلقية , من اليسير ان تجد النفاق والسفه والكذب والغدر والحقد والحسد , هذه طبيعة المجتمعات الانسانية , كنت اتساءل بشيء من الاستغراب والدهشة  عن سر ما اراه ,  وتعلمت فيما بعد ان هذه هي الحياة  وهذا كمالها ولولا هذا لكانت ناقصة  , اذكر  اننى صادفت الكثير الكثير من الرموز التى تستحق الاحترام , مازالت الذاكرة تحتفظ بالكثير مما كنت رأيته فى تلك الفترة الاولى من حياتى  العلمية , ولما انتقلت الى المغرب كانت الحياة العلمية اكثر دفئا وانسجاما  , وقد التقيت بالكثير من افضل الكفاءات المغربية فى مختلف التخصصات ومن مختلف المدن المغربية فى الشمال والجنوب والوسط ومن مختلف المدارس الفكرية  , والشخصية المغربية ودودة وهادئة ووفية ,  لقد  تعرفت على الكثير من ابرز الكفاءات المغربية , والمغرب بلد يملك الكثير من التقاليد والقيم التاريخية  العريقة تعبر عن خصوصياته  ومن الطبيعى ان تجد هناك خصوصيات تعبر عن  تلك الشخصية , معظم من عرفت كان  من الشخصيات المغربية , وهناك القليل من الكفاءات المشرقية ذات المكانة العلمية , كان طلابى من مختلف المدن المغربية وهم من ابرز وجوه مجتمعهم مكانة واحتراما , كان بعض طلابى اكبر منى سنا فى الفترة الاولى , لم يكونوا طلابا بمفهوم الطلاب , كانوا علماء ويريدون الحصول على ا لدكتوراه , كنت اساعدهم فى اعداد اطروحتهم العلمية واختبار بحوثهم واستقامة منهج البحث وسلامته  , بعضهم كان حجة فى مجال تخصصه العلمى , وكنت استفيد من بعضهم  فيما اختصوا به وبخاصة فى مجال التراجم والاعلام فى لاغرب الاسلامى  , وبخاصة فى علم القراءات او علم الحديث او الفقه المالكى , وبالاضافة الى مجتمع دار الحديث الحسنية فهناك مجتمع لا يقل اهمية عنه وهو مجتمع الاكاديمية المغربية التى تضم افضل الكفاءات المغربية فى مختلف التخصصات العلمية والتاريخية واللغوية وفى الرياضيات والطب والفلسفة , المغرب يملك الكثير من الكفاءات العلمية , وقد كتبت عن بعض من عرفتهم من تلك الشخصيات العلمية , ذلك التنوع اتاح لى فرصة الاستفادة اكثر والفهم الاعمق لقضايا الفكر والثقافة , المعرفة اعم دلالة واشق طريقا  من العلم , المعرفة هي ثمرة لما نتعلمه لكي نكون اكثر سعة وانسانية , العلم اداة لكي نفهم اكثر , عندما نتعلم ونهمل الثمرة المرجوة من العلم وهو حسن الفهم نخطئ كثيرا فى حكمنا على المواقف التى تواجهنا فى كل يوم , العلم كشجرة تغرسها وتنميها لكي تثمر , والعلم كذلك غايته ان يثمر فهما افضل للحياة , كنت اقول لطلابى فى الدراسات العليا وهم يعدون اطروحاتهم العلمية :  اريد ان اراكم فيما تكتبون وتختارون , كنت اريد من الباحث ان يضيف ولو لبنة صغيرة , كنت اريد ان ننظر الى الامام وليس الى الخلف , كنت اريد ان نستفيد من التراث لا ان نتوقف عنده , وان نضيف اليه لا ان نعيد كتابته من جديد , وهذه هي محنة مانكتبه من البحوث , اعادة انتاج فكر السابقين ليس كافيا ولا مفيدا ,  قلت يوما فى احد دروسي الحسنية الرمضانية ان مهمتنا لا ان نعيد طباعة كل المخطوطات التراثية  من جديد فهذا لا يفيدنا فى شيء وانما ان نفهمها كما ادت مهمتها فى عصرها وان نعيد قراءتها من جديد لكي نضيف اليها ما نراه الافضل لنا ,

مازلت اذكر الكثير ممن عرفتهم من الاصدقاء والزملاء والطلاب , كان العلم رحما يقرب ما تباعد , امة لا تحترم العلم والعلماء ولا تستفيد من جهد السابقين الاولين لا يمكن لها ان تستوعب معنى الحياة واهمية دور الانسان كركن هو الاهم فى بناء الحياة كما ارادها الله على الارض  لكي يكون الانسان هو المؤتمن عليها ليقودها الى الافضل ..

( الزيارات : 790 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *