مدى حاجتنا الى الاخلاق..

 

 

 

 

 

 

كلمات مضيئة..الانسان مؤتمن على كمال الحياة

مما لفت انتباهي ان الفيلسوف الاسلامى مسكويه فى كتابه طهارة النفوس استخدم كلمة الصناعة فى تعريفه للاخلاق , وقال بان الاخلاق صناعة وهي فن تجويد الافعال التى تصدرعن الانسان ,  فكما ان الصانع يحتاج الى تجويد صناعته لكي تكون افضل فكذلك فان المربي يهتم بتجويد افعال الانسان لكي تكون اقرب الى الكمال , فالاخلاق هي المنهج التربوى الذى يهتم بتجويد افعال الانسان , وهناك مصطلحات عدة ذات دلالة , كل مصطلح يعبر عن معنى يختلف عن الاخر , ومن اهم هذه المصطلحات كلمة الطباع والسجايا والعادات , فالطباع ما كان فى اصل التكوين وهي ماخوذة من الطبع وهو حد السيف الذى لا يتغير , فماكان فى الطبع لا يمكن تغييره,  ولعله اليوم يعبر عن الهنسة الوراثية او الجينات الموروثة فى الابدان , وهناك علماء الجريمة الذين قالوا بان هناك من الاوصاف ما يجعل المجرم مختلفا عن الاخرين فى ملامحه الظاهرة , وهي نظرية ليست مسلمة فى نظر الدين لان الدنيا خلق على الفطرة  , وهناك السجايا وهي من السجية التى لا تقبل التغييرايضا  , وهي اقرب الى الطبيعة فى معناها  , اما العادات فلها معنى اخر , وهي ما يترسخ فى الطبع  عن طريق التكرار , وهي من عاد يعود , ويراد بها ما يخرج الى العلن مما هو فى النفس مما اعتاد الانسان عليه , اما الخلق بفتح الحاء فيختلف عن الخلق بضم الخاء , الخلق بفتح الخاء صفة للاجسام الظاهرة مما لا يقبل التغيير , كالملامح البدنية كالطول والقصر والجمال والقبح , وقد تطور الطب اليوم واصبح بامكان الطب التجميلى ان يغير الملامح الظاهرة , فاذا تغيرت الملامح فلا تعود الى ماكانت عليه , فالقصير الذى اصبح طويلا لا يمكنه ان يعود الى ماكان عليه من قبل , هذه طبيعة الاجسام لاتقبل التغيير والتبديل ولاتقبل التناقض فى وقت واحد , لا يمكن للانسان ان يكوم طويلا وقصيرا فى وقت واحد , هذه هي صفة الاجسام , اما النفوس فانها تقبل التغيير , ولهذا تختص التربية بالنفوس وليس بالابدان , وهذه هي مهمة الاخلاق ان تقوم بمهمة تجويد افعال الانسان والرقي بها لكي تكون اقرب الى الكمال , يمكن للجبان ان يكون شجاعا ويمكن للبخيل ان يكون سخيا , لان النفوس تقبل التغيير , وسائل التجويد ليست واحدة وتختلف بحسب رسوخ تلك الصفة : هل هي من الطبع او مما اعتاده الانسان فى مجتمعه , ماكان فى الطبع لا يتغير الا بصعوبة بالغة عن طريق تكلف التجويد  وهو التخلق , والتخلق يفيد التكلف , فعندما تتكلف ماليس فيك من الطباع فانت تظهر خلاف الحقيقة , وهذا تكلف مذموم , اصل الفطرة الانسانية هي الاعتدال , وهو الكمال وهو الصحة النفسية , وماتجاوز الاعتدال بزيادة او نقص فليس من الكمال , زيادة الوصف او نقصه هو من النقصان , فالتهور زيادة فى الشجاعة وهي كالجبن , الفطرة خلقت على الاعتدال , زيادة حرارة الابدان مرض وخلل ونقص الحرارة خلل ومرض , التطرف ليس فضيلة ابدا , وهو يدل على خلل , الرحمة فضيلة فى مجتمع القساة وهي خير ولكنها ليست بديلة عن العدالة فى القضاء , الفطرة الانسانية تدرك الفضيلة فى انواع السلوك , الجهلة لا يحسنون الفهم , كل شيء فى مكانه الملا ئم له , مهمة المربي ان يحسن الفهم والتربية والتكوين والتوجيه , التجاوز ظلم وعدوان , الفضيلة تكمن فى فهم معنى العدالة , العدالة اولا ثم يكون الاحسان والرحمة , فى مجتمع اعتاد اهله على الظلم لا يمكن ان تفهم العدالة , وفى مجتمع العبودية فلا تفهم معنى الحرية , وفى مجتمع اعتاد اهله على الفساد لا يمكن ان يخجل الفاسدون من فسادهم , عندما يعتاد المجتمع على الظلم لا احد ينتصر للمظلوم ولا احد يقاوم الفساد , هناك عوامل ثلاثة تسهم فى التكوين الاجتماعى , الدين اذا احسن اهله فهمه وقلما يكون فى مجتمع متخلف , والقانون العادل الذى تحميه الدولة المؤتمنة على العدالة , وقلما يتمكن القانون من التحرر من قبضة القائمين عليه من الهيئات القضائية , وهناك العامل الاهم وهو الرأي العام الاجتماعي الذى يعبر عن ضمير المجتمع فاذا تخلف المجتمع تخلفت معاييره , واعتبر الظلم عدلا , العنف منهج متخلف وسلوك خاطئ , والتطرف جهل لا يمكن التحكم فيه , ترتقى المفاهيم برقي مجتمعها , ليس كل ما ينسب الى الدين هو من الدين وبخاصة فى مجتمع يكثر الجهل فيه  , وليس كل ما ينسب الى الاخلاق هو من الاخلاق , عندما نفهم الدين نحترم الانسان مهما كان ذلك الانسان ولو كان عدوا , ان نختلف لا يعنى ان يكون اقل كرامة , الحياة الانسانية منحة من الله تعالى والكل خلق الله , ولا احد يملك من الحقوق مالا يملكه الاخر , رسالة الدين الايمان بالله والعمل الصالح , الانبياء هم رسل الله , المال مال الله والله يرزق من يشاء , كل جيل مؤتمن على عصره , ماكان لله فهو للناس جميعا , قيمة الجهد لصاحبه بالعدل من غير تجاوز , غاية الشرئعة الالهية  ان تبين الحقوق  وتحرم الظلم وتقاوم طغيان الاقوياء على الضعفاء افرادا وشعوبا ودولا , دماء الانسان محرمة فلا تستباح الا بحق اقره الله للدفاع عن الحياة , كل طريق يقود الانسان الى الله الواحد الاحد  محمود , من حق الانسان ان يختار لنفسه ما يحقق مصالحه الدنيوية كما يراها كل مجتمع بشرط ان يحترم القانون الالهي الذى جاء عن طريق الانبياء , ولا احد خارج المسؤولية عما يفعل , وكل الناس عبيد لله احبهم الى الله اقربهم اليه صلاحا , جهد العقول متفاوت ويتجدد ويرتقى وينحدر فهما وتطبيقا ,  لا شيء من الظلم يقره الدين مهما كانت مبرراته , كل انسان مخاطب ومكلف ومسؤول امام الله عما يفعل , مهمة الدولة ان تحقق مصالح العباد بالحق والعدل وان تحترم ارادة مجتمعها الذى فوض اليها امره , السلام هو الاصل فى العلاقات الانسانية والحوار منهج العقلاء فى التغلب على مشاكلهم , الصراع بين الاديان والحضارات والثقافات امر طبيعى وهو من التدافع للبحث عن الكمال والعدالة والحقوق المشروعة , الاقوياء والضعفاء لهم حق فى الحياة والكرامة , الدفاع عن الكرامة حق مشروع ومن حق اي فرد او شعب ان يدافع عن الحق الذى اكرمه الله به من غير تجاوز او عدوان ..

تاملت كل ذلك وانا اتأمل مفهوم الاخلاق التى اقرها الدين وجعل الانسان مؤتمنا على الالتزام بها لكي يكون فى المستوى الذى يليق بالانسان الذى جعله الله خليفة له فى الارض يعمرها بجهده واجتهاده لكي يكون من عباد الله الصالحين الذين لا يعلون فى الارض ولا يفسدون بجهلهم جمال الحياة وكمالها ..

( الزيارات : 568 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *