معنى الحكمة واخلاقية الحكماء

 كلمات مضيئة..معنى الحكمة واخلاقية الحكماء.

تاملت كثيرا فى معنى كلمة الحكمة التى نستعملها فى كثير من المواطن , واستعملها العلماء والفلاسفة فى كتاباتهم عن الاخلاق , وكنت اتساءل عن علاقة الحكمة بالاخلاق , كان الفلاسفة اكثر استعمالا لها , ومن المعانى الجميلة للحكمة هي تعريف الامام الغزالى لها فى كتابه الاحياء , وقال عنها بانها حالة للنفس بها يدرك الصواب والخطا فى جميع الافعال الاختيارية , اما فى معنى الاخلاق فقد استعمل لفظة اخرى وهي هيئة فى النفس راسخة تصدر الافعال عنها بسهولة ويسر من غير حاجة الى فكر او روية , وهذه الاخلاق اما انها تتجه نحو الكمال بطريقة يقرها العقل والشرع وعندئذ توصف بالخلق الحسن , واذا اتجهت نحو النقصان بتاثير سيطرة الغرائز الفطرية الشهوانية والغضبية عندئذ يقال لها انها اخلاق سيئة , والمعيار هنا هو العقل والشرع معا , اما ابن رشد الفيلسوف الاسلامى الكبير فقد اهتم بمعنى الحكمة واعتبرها مقابل كلمة الفلسفة , كتب كتابه الشهير بعنوان فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال , ومن المعروف ان ابن رشد لم يكن على توافق مع الغزالى فى كثير من مواقفه من الفلسفة,  وكتب كتابه تهافت التهافت فى الرد على كتاب الغزالى تهافت الفلاسفة , وابن رشد هو صاحب كتاب بداية المجتهد وكانت له اختيارات فقهية موفقة , وقد اشرفت على اطروحة علمية للدكتور احمد العمرانى عن اختيارات ابن رشد الفقهية , يعتبر ابن رشد من اعظم فلاسفة الاسلام وامتحن فى حياته بسبب بعض ارائه , وتحظى اراؤه بمكانة كبيرة فى مجال الفلسفة , كان من المدافعين عن الحكمة واكد ان الشرع اوجب النظر  وفق المنطق العقلى فى الموجودات , وان هذا النظر العقلى هو مما اوجبه الدين وهو من اهم انواع النظر باهم انواع القياس وهو البرهان , فالقياس يعتمد على البرهان وهو اهم معايير المنطق العقلى , , واكد ابن رشد ان العلماء المسلمين يدركون جيدا ان النظر العقلى لا يمكنه ان يؤدى الى مخالفة ما جاء به الشرع لانه كما يقول:  الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له , لا اشك ان هذ المنطلق العقلانى يمنح الثقة للمنطق العقلى الذى يعتمد على البرهان , اهم ما فى القياس هو ثقته بالبرهان العقلي وهذا حق , ومالا برهان عليه فلاثقة به , ربما  نحتاج الى هذا المنهج العقلاى الذي يعيد الاعتبار للعقل  الذى وثق الدين به وجعله مناطا للتكليف , لا خيار لنا الا ان نثق بامرين الثقة بالعقل والثقة بالعلم , والبرهان العقلى اما ان يأتى بما وافق عليه الشرع وهذا هو الموقف الذى يعبر عن التوافق بين الشريعة والعقل , وان جاء البرهان بما سكت عنه الشرع فلا تعارض فيه وهو بمنزلة الاحكام التى سكت عنها الشرع واعتمد الفقهاء فيها على القياس , وهناك الحالة الثالثة التى قد ياتى البرهان بما يخالف حكم الشرع وهنا يقول ابن رشد بان من الضرورى ان نذهب الى التاويل عن طريق فهم الدلالة المرادة بطريقة تتفق مع البرهان , ومن الشائع فى اللغة ان تكون هناك دلالات مجازية للالفاظ قد تكون هي المرادة التى تتفق مع مقاصد الشريعة , وهذا منهج لا يحسنه الا اهل العلم,  وقلة من الفقهاءمن مدرسة الرأي والدراية  يحسنون هذا المنهج وابدعوا فيه , , ويحتاج الى فهم عميق وتقوى من الله وقدرات متميزة وشجاعة فى ابداء الرأي ..

كلمة الحكمة وردت كثيرا فى القرأن الكريم , وقد وصف الله مهمة الانبياء بانهم يعلمون الناس الكتاب والحكمة , وقد انزل الله عليهم  الكتاب والحكمة وقال تعالى ومن يؤت الحكمة فقد او تي خيرا كثيرا البقرة 269 , واكد الامام الغزالى ان ميل النفس الانسانية الى الحكمة اقوى وارسخ وهو ميل الى الكمال والنفس تشتاق الى الكمال شوقا غريزيا فطريا , والاصل فى النفس ان تحب الكمال وتتعلق به , اما ما نراه لدى كثير من الناس من ميل الى الملذات والنقصان فهو ميل مرضي  وليس اصيلا فى النفس , وهو بحكم الاعتياد , والنفس تستلذ ما اعتادت عليه ولو كان ذلك من افعال النقصان كمن يعتاد الشراب المر اكثر من الحلو واصبح يستلذه مع الايام , والاصل فى النفس ان تحب الاستقامة لان لاستقامة كمال ولكن الغرائز الفطرية الشهوانية والغضبية عندما تقع الاستجابة لها تتمكن وتترسخ وتنقاد لها النفوس وهي كارهة لها,  ومن طبيعة النفس انها ولو استلذت الشهوات فانها تندم علىها , وتحاول من جديد ان تمسك بزمام نفسها لكي لا ينفلت الزمام , الحكمة ليست لها صفة الرسوخ كالاخلاق , الحكمة صفة متكلفة عندما يمسك الانسان بزمام غرائزه عن طريق المجاهدات والرياضات النفسية للتحكم فى ميول النفس الغريزية

, الحكمة صفة الكبار الذىن يحبون الكمال ونشؤوا فى مجتمع الكمال واعتادوا على ان يفعلوا الكمال لان الله تعالى يحب الكمال وقد امر بالكمال , هؤلاء يرون فى الشريعة كمالا وفى الدين معيارا للكمال , هؤلاء يحبون الله حبا به واداء لحقه , والحكمة عطاء من الله تعالى وهي قوة ذاتية تجعل صاحبها اكثر فهما لما خوطب به والحكيم هو الذي يميز بين الصواب والخطأ بطريقة تلقائية عن طريق امتلاكه معيارا للفهم يدرك به ما يجب ان يقول او يفعل فى المواقف التى تصادفه , لاتكلف فى الحكمة , الحكمة تعتمد على تميز عقلى بالاضافة الى تربية ومجاهدات وبيئة نقية صافية تمكن صاحبها من القرار الصحيح ,   واهم ما فى الحكمة ان يكون الحكيم صاحب شخصية متميزة , وان يتمتع بالشجاعة التى تمكنه من التعبير عن مواقفه , القوة لا تعنى الوقاحة ولا قلة الادب , الحكيم يحسن اختيار المكان الذى يعبر فيه عن رأيه ويختار الزمان ايضا , ومن الحكمة اختيار الكلمة المناسبة فى المكان والزمان , قد يتهم الحكيم بالضعف والتردد وهذا من الجهل بمعنى الحكمة , الحكيم لا تنفلت كلماته منه بغير اردته ولو استغضب , ولا يفعل مافيه هواه ولو تمكن من ذلك , لانه يخجل من فعل النقائص , الحكمة لا تنفصل عن الاخلاق فكل حكيم يجب ان يكون اخلاقي الشخصية وليس كل اخلاقى حكيما , وهناك الكثير من الصالحين الطيبين يفتقدون الحكمة فى افعالهم واقوالهم , وقد يعود سبب هذا الى قلة تجربتهم , ..

موضوع الحكمة يحتاج الى تامل فيه , ونحتاج الى الحكماء فى عصر الفوضى وفى ايام المحن , نحتاج لمن يحسن معرفة الطريق ولمن يحسن الفهم لما يمكن ان يكون , الحكمة تحتاج الى امرين اولهما هو الموهبة والاستعداد وثانيهما هو حسن التربية والتكوين , ومن لم يخالط الكبار فمن الصعب عليه ان يفهم  المواقف الحكيمة , ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا ..صدق الله العظيم..

( الزيارات : 659 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *