معيار الحضارة هو الإنسان ، فإذا أسهمت الحضارة في رقيّ الإنسان ورقيّ نظرته إلى مجتمعه فهذه حضارة، وإذا رأينا الإنسان متخلفاً في سلوكه جاهلاً في طبائعه سفيهاً في معاملاته لا يحترم حقوق الآخرين ، فمن الصعب أنْ نَصِف هذا المجتمع بالمجتمع المتحضر ، فالحضارة ليست هي بناء ناطحات سحاب وطرق واسعة وأسواق راقية وأحياء جميلة ، فهذه مظاهر جميلة إذا ارتبطت بسلوكيات مماثلة في المعاملات الإنسانية ، فالدستور والقانون والأنظمة الإدارية والممارسة السياسية والعلاقة بين الحاكم والمحكوم وعدالة القضاء ومقاومة مظاهر الفساد وكيفية استخدام الحريات العامة في الصحافة والفكر والثقافة والحرص على الصحة العامة في النظافة والمطاعم ، كلّ ذلك يدل على حضارة ، ومن أبرز مظاهر الحضارة أن يتجه الاهتمام لبناء الإنسان وتكوينه والارتقاء بمستوى عقله وإدراكه وسلوكه ، وتوفير أسباب الكرامة له…
والمجتمع المتحضر ينكر كلّ سلوكية خاطئة ويدين كلّ سياسة ظالمة أو عنصرية أو عدوانية من حكامه، وينكر كلّ ما يراه ضاراً ومتخلفاً ومخجلاً من السلوكيات الاجتماعية ، ولو في نطاق الحرية الشخصية, ولا يسمح للحرية أن تمارس بطريقة خاطئة ، فليست هناك حرية مطلقة ، والحرية لا تعني الفوضى ، ولا تشجع الإساءة للآخرين ، فالحرية يجب أن تُمنَح للإنسان لكي تشعره بكرامته ، ولا ينبغي أن تكون سلاحاً للإساءة للآخرين…
والحوار أسلوبٌ حضاري للتقارب بين الإنسان والآخر ، في المعاملات والثقافات والمذاهب والأديان ، والعنف أسلوبٌ متخلف وجاهل ، والحروب الظالمة يجب أن تُحارَب بكلّ الوسائل ، ورموز العنف والحرب هي رموز الشرّ في المجتمع الإنساني ، واحتلال دولة جريمة ضد الإنسانية ، والدولة الغازية والمعتدية يجب أن تدفع ثمن عدوانها بتعويضات عادلة ردعاً لكلّ الأشرار من الحكام والدول ، ولا تسامح مع المعتدي والحقد على المعتدي مطلوبٌ وعادلٌ ، ولا كرامة لأمة لا تنتقم ممن اعتدى عليها..
والحضارة لا تعني الاستسلام والضعف ، والشعوب المتحضرة لا تعتدي ولا تقبل العدوان عليها ، ولا تتسامح في حقِّ من حقوقها خوفاً ورهبة ، وقد تتسامح مع جارٍ ضعيف ، وقد تعفو عن تجاوزاته من منطلق القوة لا الضعف وهذه فضائل الأقوياء…
وأنانية الأقوياء وتطلعهم إلى السيطرة والهيمنة عدوان وظلم ، ومقاومة هذه السياسات العدوانية واجب ديني ووطني ، ولا مفاوضاتِ بين قوي وضعيف إلا إذا توفرت العدالة التى تمكن الطرف الضعيف من الدفاع عن مصالحه.
اترك تعليقاً