مفهوم الربا فى ظل التطورات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة

هذا الكتاب طبع في المغرب، وهو أول كتاب لي في المغرب عام 1978 وهو عنوان درس ألقيته في الدروس الحسنية الرمضانية عام 1975، وكنت يومئذ في الكويت، ثم وسعته وأضفت إليه بعض الأفكار وقدمت له بمقدمة وصفت فيها مجلس الدروس الحسنية كما رأيتها…

وحظي موضوع هذا الدرس باهتمام الباحثين نظرا لأنني قدمت فيه تصورا جديدا لمفهوم الربا، انطلاقا من القرآن الكريم، الذي حرم الربا لكيلا يكون هناك ظالم أو مظلوم…

ومازلت أؤمن بهذا الرأي، وهو ارتباط الربا بالظلم، وتحريم كل أنواع الزيادة المرتبطة بظلم، والظلم هو الذي يبرر تحريم هذا العقد، ولا يحتج باتفاق الإرادتين لتبرير ظلم فلا إرادة لمكره تدفعه الحاجة أو الضرورة لإبرام عقد تأباه فطرته ويشعره بالظلم والمهانة، وهنا تتدخل الشريعة لحماية الطرف الضعيف بإبطال العقد وتحرير المتعاقد الضعيف من التزامه العقدي…

وتكلمت في هذا الكتاب عن نظرية الربا في الفقه الإسلامي وعن مكانة القروض من العقود الربوية ثم تكلمت عن تطور مفهوم الربا في العصر الحديث، وقد اعتمدت في المادة العلمية على كتابي القروض الاستثمارية، وأضفت بعض الأفكار التي تتحدث عن تطور مفهوم الربا ليشمل كل أنواع العقود المرتبطة بظلم، وقد دفعني إلى هذا ما كنت ألاحظه في المعاملات التجارية السائدة لدى التجار من التحايل على الربا بأنواع جديدة من البيوع الفاسدة التي لا تختلف عن الربا المحرم في شيء، وبخاصة ما يعرف بتجارة الخيوط النسيجية التي تعارف التجار على تداولها بالشراء والبيع بطريقة مماثلة للعقود الربوية، وقد تكون أكثر سوءا منها في استغلال حاجة التجار الذين يمرون بأزمات خانقة…

وهناك صورة قاتمة ومؤلمة تتمثل في إقبال الفقراء والمستضعفين والشيوخ والأرامل على توظيف أموالهم لدى بعض المستثمرين الذين رفعوا شعار الاستثمار الإسلامي المعتمد على الأرباح، ودفعوا نسبا عالية من الأرباح تفوق نسبة الأرباح المعتادة، وفجأة تكتشف الفضيحة الكبرى المتمثلة في الكذب والخداع وسرقة أموال هؤلاء الضعفاء، وتعلن هذه الشركات إفلاسها، وتضيع الحقوق باسم الإسلام، وقد وقعت أحداث مؤسفة ومخجلة لا يرضاها الدين…

ولابد من إيجاد صيغة سليمة وعادلة لحماية حقوق الناس بعيدا عن استغلال الدين للترويج لشركات استثمارية مستغلة، وهذه الشركات تستظل بمظلة الدين وتجد من الفقهاء من يفتي لها بما تريده، ويساعدها على اكتشاف صور جديدة من الحيل الشرعية التي لا تتعارض مع ظاهر الأحكام، وتضمر في حقيقة الأمر مخالفات لمقاصد الشريعة في منع الزيادات الظالمة والمرتبطة باستغلال حاجة المقترضين…

ما أسوأ ما نراه اليوم من صور الإساءة لقيم الإسلام وتشويه معالمه بالتحايل على أحكامه الظاهرة وتجاهل مقاصده في تشجيع الاستثمارات العادلة البعيدة عن الاستغلال…

وأؤكد على أن أي عقد من العقود يتضمن ظلما أو استغلالا بشعا لحاجة مستضعف أو غشاً واضحاً أو جهالة فاحشة فهو حرام، سواء في بيع أو قرض أو رهن أو إيجار، والظلم يبطل العقد، ولا شرعية لأي فعل يؤدي إلى ظلم ولو كان ظاهره صحيحا، ولا عبرة بأي فتوى لإباحة الظلم، فإذا ثبت الظلم فالعقد باطل والربح فيه حرام…

( الزيارات : 2٬398 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *