مقاتل الطغاة

 

علمتني الحياة

أن مقاتل الطغاة هم حاشيتهم المحيطة بهم , فالطغاة ليسوا أشراراً بالطبع , وبعضهم يولد بفطرة نقيّة واستعداد للخير ورغبة صادقة في الإصلاح, وقد يكون في بداية الأمر حَسَنَ الخلق وفياً لأصدقائه ,فإذا انتقل من  الضعف إلى القوة ومن الفقر إلى الغنى واتسعت سلطته , وامتد نفوذه إلى القمة اشتاقت نفسه إلى التفرد والمجد , وعندئذ يضيق بمن كان معه من أصدقاء الأمس الذين كانوا معه في أيام مشواره المتواضع , وصعد هو إلى القمة , وما زال هؤلاء في أسفل الجبل , وأصبحوا في نظره صغاراً , وما زال هو في نظرهم كما كان في الأمس , ينادونه باسمه كما كانوا ينادونه , ويذكرونه بذكرياتهم معه وكأنهم تجاهلوا ما حققه من قوة وسلطة , ويضيقون بتعاليه عليهم , فإذا لم يبادلهم الوفاء اتهموه بقلة الوفاء , وإذا لم يجالسهم كما كان يفعل أنكروا عليه ذلك , وهم بحكم صداقتهم له يصارحونه بما يغضبه , ولا يحسنون القيام بالنفاق والتملق الذى تطلبه نفسه , ويختار حاشية أخرى يصنعها بنفسه ويرفع من مكانتها فتحني رأسها له عرفاناً بالجميل , يمنّ عليها بما أكرمها به من منزلة ولا تمن عليه بشيء, ويرفعها متى شاء إن أحسنت ويرميها خارجاً متى ضاق بها , وهذه الحاشية من صغار النفوس تضفى عليه من صفات العبقرية والعظمة والعصمة ما يسعده والنفوس تأنس بما تسمع من التمجيد والتعظيم ، والإنسان يصدق يسمع ما ويريحه أن يسمع إعجاب الناس به ، وهم ينقلون إليه ما يسعده ، ويبالغون فيما ينقلون، وتنتفخ أوداجه فخراً بما يعمل، وكلما زادت قوته زادت هيبته ، ولا يجرؤ أحد أن يصارحه بالحقيقة ، ولو رأوا قاربه يغرق في بحر هائم ويهونون عليه الأمر ، ويشيرون عليه بما يضره من سلوكيات ومواقف ، ولا يجرؤون على نصحه ومصارحته ، ويزينون له كل سيء من القرارات والسلوكيات والمواقف ، رغبةً منهم في التقرب إليه وإرضائه حفاظا على مكانتهم في مجلسه ، ومعظم الطغاة تستولي عليهم حاشيتهم ويوجهونهم نحو ما يريدون فإذا كانت الحاشية نظيفة وصادقة وصالحة قدموا له النصائح الصادقة وصدقوه القول ولو أغضبوه ، وإذا كانت الحاشية فاسدة تبحث عن مصالحها ومفاسدها فقلما تقدم النصيحة الصادقة ، والطغاة هم أجهل الناس بحاشيتهم، والطاغية هو الوحيد الذي لا يفرق بين الصادق والكاذب من حاشيته ولا بين الصديق والعدو ، وكل الناس ترى الحقيقة بعيونها المجردة ، أما الطغاة فيرون الحقيقة مزوّرة مشوشة من خلال عيون الآخرين ..

فيا أيها الحكام أحسنوا اختيار أعوانكم ورجال حاشيتكم ، واختاروا الصادق الأمين الذي يخلص لكم النصيحة وينقل لكم الحقيقة ولا تختاروا المنافقين والمتملقين ، فهؤلاء هم أول من يغادر سفينتكم عندما تتعرض للعواصف المخيفة في البحار العميقة …

 

 

( الزيارات : 2٬756 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *