مقارنة بين الغزالى ومسكويه

مقارنة بين الغزالي وابن مسكويه

في نفس الوقت الذي عكفت فيه على دراسة أفكار الغزالي في التربية النفسية  اتجهت إلى قراءة فكر ابن مسكويه في كتابه تهذيب الأخلاق ، وأعجبت  بفكره بالرغم مما يقال أنه تأثره بالفكر اليوناني والفلاسفة الأقدمين، وكان ابن مسكويه بعيداً عن منهج الغزالي، ويختلفان كلياً في المنطلقات الأساسية، وقد حاولت المقارنة في بعض بحوثي بين مفهوم النفس لدى كل من الغزالي ومسكويه، وبخاصة ما يتعلق بمفهوم الأخلاق والتربية النفسية، ثم كتبت كتابا بعنوان “مفهوم النفس عند ابن مسكويه “وتضمن الكتاب دراسةالمصطلحات التي تضمنها كتاب تهذيب الأخلاق، وأهمها قابلية النفوس للتغيير,  والتربية تتجه إلى النفوس، ولا تتجه إلى الأجسام التى لاتقبل التغيير ، كما تكلم عن الصداقة والمحبة والسعادة والخير والتربية النفسية ..

يرى ابن مسكويه أن صناعةالأخلاق هي أفضل الصناعات كلها لأنها تعني بتجويد أفعال الإنسان ,

بما يحقق إنسانيته والجوهر الإنساني يتمثل في الأفعال الخاصة التي تصدرعن الإنسان والذي يشاركه فيه بعض الحيوانات , فإذا لم يتميز الإنسان بأفعال الكمال هبط وانحدرعن درجة إنسانيته,  والإنسان بسبب جوهره يتميز بضروب من الاستعداد لبلوغ ذلك الكمال , وأكد بن مسكويه أن الإنسان ذو فضيلة روحانية يناسب بها الأرواح العلوية , وهو ذو فضيلة جسمانية يناسب بها الأنعام , وهو مقيم في هذا العالم المحسوس لكي يعمره وينظمه فإذا بلغ كماله انتقل إلى العالم العلوي في صحبة الملائكة , و الإنسان إما أن يكون في عالمه المحسوس منطلقا إلى العالم الروحي وأما أن يكون في العالم العلوي وينظر إلى العالم السفلي , ويجد فيه دلائل الحكمة , ومن لم يشغله أ حد الاهتمامين فهو كالأنعام بل هوأضل , لأنه أعطيت له القدرة على البحث عن الكمال ولم يفعل ولم يعط للحيوان ذلك, ويؤكد ابن مسكوية على أهمية الاجتماع الإنساني لتحقيق الفضائل والإنسان يتعلّم الفضائل لكي يساكن بها الناس , والفضائل ليست إعداما بل هي أفعال تظهر عند مشاركات الناس في المعاملات ..  

ويظهر الاختلاف بين الغزالي وابن مسكويه في دراسة طبيعية النفس البشرية وطبيعة أمراضها، فالنفس في نظر ابن مسكويه تتطلع إلى الكمال الإنساني الذي يحقق السعادة, أما الغزالي فلا يرى الكمال هو الغاية الموجوة , وإنما الكمال الذي يؤدي إلى المعرفة الإلهية , ولا تكون النفس مستعدة للمعرفة إلا بعد حصولها على الكمال ، فإذا كملت انطبعت فيها صورة الحقيقة في القلب الطاهر الخالي من الحجب والانشغالات ..

وهذا الفهم يلتقي مع الفكر الصوفي الذي يبحث عن الكمال الإنساني من خلال المجاهدات النفسية لكي يصل إلى المعرفة الإلهية عن طريق الصفاء الروحي، وهي معرفة ذوقية تدرك بالقلب ولا تدرك عن طريق الأدلة العقلية

 

( الزيارات : 2٬715 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *