موقف السيد النبهان من العلم والعلماء

تعريف العلم:

العلم نقيض الجهل، ويراد به معرفة الشيء على ما هو به، والعلم محمود والجهل مذموم، ولا يمكن للعلم أن يكون مذموماً إلا إذا استخدم فيما هو مذموم وضار، ويكون الذم لا للعلم ولكن لما تركه من ضرر لصاحبه أو بصاحبه بالمجتمع، والإنسان هو الذي يستخدم العلم لما فيه الضرر، كمن استخدم العلم لاختراع وسائل التدمير والعلم سلاح ولا يجوز أن يسلم إلا لمن يحسن استخدامه، ويقدر مسؤولية ذلك، والعلم لابد فيه من الأخلاق فإذا انتفت صفة الأخلاق عن العالم استخدم العلم في غير ما أعد له.

والجهل مذموم لذاته، ولا يمكن أن يكون محموداً بحال من الأحوال، والعلم كالبصر والجهل كالعمى، والذين يخشون من العلم إنما يخافون من نوره أن يكشف عوراتهم، فيسترهم ظلام الجهل.

والإسلام نور وهداية، وهو نقيض الظلمة التي يقود إليها الجهل، والعلم أوسع من معناه الشائع وأشمل، ولا يرتبط العلم بمعرفة العلوم وإنما هو وعي بحقيقة الإنسان ومعرفة بطبيعة النفس، وغاية العلوم أن تقود إلى تلك المعرفة الحقيقية، والعلوم التي لا تقود إلى تلك المعرفة هي علوم غير مفيدة، قد تفيد الإنسان في أمر معاشه ولكن لا تفيده في إنارة دروبه إلى المعرفة الحقيقية.

والعلم المحمود هو الذي يقود إلى الفهم، وغاية العلم هو الفقه بالمفهوم اللغوي وهو الفهم، فإذا أوصل العلم صاحبه إلى الغرور والتكبر فهذه ثمرة غير طيبة، ولم يوصل إليها العلم، وإنما قاد إليها الجهل، فالغرور جهل، وليس ثمرة للعلم وإنما ثمرة الجهل.

وكان الشيخ يحض على العلم الذي يعتبر نقيض الجهل بمفهومه الأشمل، لكي يثمر المعرفة بالله والحكمة، وأما العلوم المعاشية فهي تفيد الناس في معاشهم، وتساعدهم على توسيع نظرتهم إلى الحياة وفهم الأمور بطريقة أفضل.

أخلاقيات العلم:

وكثيراً ما كان يتحدث عن أخلاقيات العلم، وينصح أصحابه من المشتغلين بالعلم أن يتخلقوا بأخلاق العلم، فلا فائدة في علم لا يثمر خلقاً ويحذر من الغرور الذي يصيب المشتغلين بالعلم وهو جهل حقيقي بحقيقة العلم فمن لا يتخلق بأخلاق العلم فسرعان ما يسيطر عليه الغرور وعندئذ ينقلب علمه عليه.

وتتمثل أخلاقيات العلم في توجيه العلم والتحكم فيه لكي يؤدي الغاية المرجوة منه وهي ثمرة العلم وإذا افتقدت أخلاقيات العلم ووجهت طاقاته وقدراته نحو أهداف ضارة بالإنسانية فالعلم يولد القدرة والإمكانية الفعلية وليست من مهمة العلم أن يدرك المسالك الصالحة والمفيدة فهذه هي مهمة العلماء الذين يمسكون بالمقود فلا يسمحون لعلمهم أن يخرب القيم الإنسانية أو أن يدمر الحياة البشرية أو يسعى في شقاء الإنسان.

والعلم له ثمرة مرجوة منه وهي المعرفة والمعرفة تؤدي إلى العمل فمن علم وجب عليه أن يعمل بما علم ومن عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم في رحلة لا متناهية من الرقي من الجهل إلى العلم إلى العمل فإذا لم يثمر العلم الثمرة المرجوة منه كان غير مفيد فمن علم أن هذا الشيء ضار به ومفسد لصحته وجب عليه أن يعمل بما عمل ويتجنب ذلك الضار والمفسد.

وإذا تعلم العلم من لا خلق له استخدم علمه في الإضرار بالمجتمع وأساء لعلمه فإذا كان عالم الذرة لا أخلاق له سخر علمه لاختراع أدوات التدمير لإثارة الرعب في نفوس الأبرياء وإذا تعلم الطب من لا أخلاق له، سخر علمه لا لعلاج المرضى ولكن للعبث بالأبدان رغبة في الربح المادي وإذا تعلم الفقه من لا أخلاق له سخر علمه للعبث بأحكام الشريعة وتوسع في الاستدلالات الباطلة وتفنن في الحيل الشرعية فأفسد الدين بفتاويه الباطلة التي تحركها الأهواء والأطماع خدمة للحكام الذين اشتهروا بالظلم وأكل أموال الناس بالباطل وأخذ يبرر لهم المظالم ويشجعهم على ارتكاب الآثام، وهكذا يصبح العلم بيد السفهاء من العلماء أداة لإفساد القيم الأخلاقية وكان الشيخ يحذر من تعليم العلم لمن لا أخلاق له من السفهاء، و يوصي كل من يريد تعلم العلم أن يلتزم بأخلاقيات العلم وألا يجعل العلم مطية للكسب المادي أو الجاه الاجتماعي، فمن سخر العلم للكسب أذل العلم بوقوفه على أبواب الأغنياء، ومن سخر العلم للحصول على المناصب الدنيوية أذل العلم بوقوفه على أبواب الحكام.

وكان يندد «بعلماء المعاشات» ويسميهم بهذا الاسم، ويقصد بهم أولئك الذين يتعلمون العلم لأجل الحصول على المعاش المادي، وهؤلاء العلماء يفرطون في كرامة العلم ويسيئون لسمعة العلماء، لأنهم يتملقون الحكام بأقوالهم، وخطبهم، ويتملقون الأغنياء بتبرير مظالمهم والسكوت على معاملاتهم غير المشروعة في الكسب، ويتملقون العامة في خطبهم للتقرب إليهم، طمعاً في السمعة والجاه والمكانة الاجتماعية وينسون أنهم بذلك يبيعون دينهم بدنياهم، ويرضون لأنفسهم المذلة ولو أنهم أعرضوا عن الدنيا لكانوا سادة مجتمعهم، لأنهم يحملون كرامة العلم ومكانة العلماء.

مكانة العالم في المجتمع:

والعالم في نظره هو سيد في مجتمعه، يرفعه علمه إلى المكانة الرفيعة، لأنه يعرض عما يطمع فيه الناس، ويزهد فيما بأيدي الناس، ويرتفع عن الصغائر، ويقول كلمة الحق في المجالس، ويناصر الضعيف والفقير، ويواجه رموز الظلم في المجتمع، ينهاهم عن الظلم، وأكل أموال الناس بالباطل.

ويدعو في مجالسه إلى أن يكون طلاب العلم من الذين تربوا على الشعور بالكرامة وممن اشتهروا بقوة الشخصية وصفات الرجولة والنزاهة والشجاعة لكي يمثلوا شخصية العالم المسلم المشبع بقيم الفضيلة الذي لا يبيع كرامة العلم بثمن بخس ويدافع عن الحق بشجاعة ولا يساوم ويفرط في مكانة العلماء.

ومما كان يغضبه أن يرى عالماً فرط في كرامته أو رضي بالذل والخضوع لرموز القوة في المجتمع أو سكت عن قول الحق خوقاً على وظيفته أو ناصر الأقوياء على الضعفاء ويدعوهم إلى أن يرفعوا رؤوسهم في المجالس احتراماً لعلمهم، وأن يتكبروا على المتكبرين إشعاراً لهم بسوء ما يفعلون، وأن يتواضعوا أمام المستضعفين.

ومن عاداته في مجالسه أن يكرم العلماء ويجلسهم إلى جانبه ويحض أصحابه على أن يكرموهم ويرفعوا مكانتهم نظراً لما يحملونه من علم، ويدعو إخوانه من العلماء إلى النزاهة والعفة لكي تظل مكانتهم رفيعة في المجتمع، وألا يمدوا أيديهم إلى الأغنياء والحكام، وأن تكون يدهم هي العليا في العطاء فإن لم يجدوا ما يعطون فعليهم ألا يقبلوا العطاء من غيرهم، فكرامة العلم هي رأس مال العالم، ومن فرط في هذه الكرامة فسرعان ما تسقط مكانته في أعين الناس.

والعلم في نظره هو العلم بمفهومه الشمولي، وكان يشجع على تعلم كل العلوم العلمية والإنسانية، وينصح الشباب من إخوانه أن يتوجه كل منهم إلى العلم الذي يحبه في الطب والهندسة والعلوم أو في العلوم الإنسانية أو العلم الشرعي، ولم يكن يرجح العلم الشرعي على غيره إلا إذا اختاره الإنسان لنفسه، ويردد: إن العلم كله خير بشرط أن يلتزم الإنسان بأخلاقياته، ويقول: ليس هناك علم مذموم، إلا إذا استخدمه صاحبه للإضرار بالناس.

ولم يكن هناك شيء يحظى باهتمامه كالعلم وتكوين العلماء وإنشاء المدارس العلمية والالتزام بأخلاقية العلم والنهوض بمستوى العلماء وتوفير أسباب الكرامة لهم، لكي يؤدوا رسالتهم في التعريف بالإسلام وتغذية القلوب بمعاني الإيمان.

( الزيارات : 1٬104 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *