هل نتحرر من العقل أحيانا

 علمتني الحياة

أن أستغني في بعض الأوقات عن معايير العقل وقيوده , وأن أتحرّر من قبضته ولو لمدة ساعاتٍ قليلة , وأن أترك لروحي حريّة الانطلاق والتحرّر من القيود التي تجعل الروح أسيرة التأملات العقليّة , وكنت أشعرُ في تلك اللحظاتِ بسعادةٍ لا حدودَ لها وطمأنينة قلبيّة تجعلني أكثر صفاءً ونقاءً في داخلي , وأشعرُ بلذةٍ لا حدود لها في مشاعري وعواطفي , وأحياناً أحس وكأنّ روحي تحلق بي في فضاءٍ واسع في هذا الكون , وأرى نوراً يشعّ في داخلي , ودفئاً يسكن في قلبي , وأرى الدنيا صغيرة وليس كما كنت أراها من قبل , وأرى كل شيء في الوجود من إنسان ونبات وحيوان وجماد يتحرك بأمر الله وتتجلى فيه القدرة الإلهية , وأرى سرّ الله في هذه الكائنات الصغيرة , وهي تؤدي مهمتها كما أرادها الله , وأرى كلّ البشر يتحركون بأمر الله ولا إرادة لأحدٍ منهم فيما يفعل ولا اختيار , وأرى الله في كلّ شيء , ولا أرى أي شيء في هذا الكون , وينتابني شعور غريب عجيب لا أستطيع التعبير عنه , وهو شعورٌ ذوقيٌ لا يمكن للعقل أن يدركه  ,وفي تلك اللحظات النورانية الصافية يمتلئ قلبي بمحبة الله فيزداد شوقي إلى رحاب الله , واصلي ليس كما كنت أصلي , فتكون صلاتي هي مناجاة لله , تعبر عن عبودية المخلوق لخالقه , وشعوره بالصغار والتقصير والغفلة , وأسمو في مشاعري فيمتلئ قلبي رحمة وحباً وصفاءً وطمأنينة , إنها لحظات لا تدوم طويلاً , وأستدعيها أحياناً فلا تجيب وفجأة تأتي من غير استدعاء , فتوقظني إن كنت نائماً وتغادرني بعد أن تؤدي مهمتها في كياني , ما أروع ما أشعر به من لذّة وسعادة وصفاء , وشعور بالتحرر من كلّ التعلقات الدنيوية وفي هذه اللحظات لا أشعر بألمي إذا كنت متألماً ولا أشعربمرضي إذا كنت مريضاً , وأشعر بقوة ذاتية وكأنّني الأقوى الذيلا يحتاج إلى أحد , وتصغر مكانة من حولي وفي نفسي , وكأننيالكون كله , وفي هذه اللحظات القليلة والسريعة , لا أفكر في ثواب وعقاب ولا جنة أو نار , ولا في حياة أو موت , وأشعر بقربي من الله , وأخجل أن أدعو الله أن يرفع عني ما كتبه وهو الأعلم بأمريوالأرحم بي , فكيف أطلب منه أن يرفع عني ما قدره الله لي وأرضى بكل ما قدره لي, …

تلك لحظات تأتي فجأة في ليلٍ أو نهارٍ , ليس لها سببٌ ظاهر , ويشعر الإنسان وكأن صوتاً هامساً في داخله يناديه , ولا خيار له إلا أن يستجيب , ويغمرهُ نورٌ لا يراه وإنما يشعر بأثره في قلبه , ويحسّ بلذة أقوى وأصدق من الملذات المادية المعتادة , ويشعر وكأنّ الكون في يديه , ويرى الله في كلّ شيء , في البحر والجبال والوديان وفي الإنسان والحيوان والنبات , والكلّ يسبح بحمد الله , والكلّ يقوم بالمهمة التي خلقه الله للقيام بها , ويرى عظمة الله في هذه التعددية الكونية ولهذه المخلوقات التي تتحرك بأمر الله وتؤدي مهمتها المأمورة بها , ويتساءل الإنسان عن سرّ الوجود الكوني , وعن سرّ الحياة والموت , وعن أسرار هذا الفضاء الفسيح الواسع بما نراه وما لا نراه من الشموس والأقمار …

وفجأة تنطفئُ الشعلة وتغيبُ الشمس ويعودُ الظلام كما كان , ويصحو العقلُ من جديد , ويجلسُ على كرسيه الوثير , ويأمر وينهى ويقضي ويحكم , ويظنّ أنّه محيطٌ بالكون ومتطلع على أسراره , ولا يدري أنّه يجهل حقيقته , ولا يدرك من الحقيقة إلا ما تدركه الحواس ..

( الزيارات : 1٬643 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *