ذاكرة الايام ..واغلقت جميع الابواب
ما زلت اذكر اهم درس تعلمته في حياتي واقساه علي نفسي فى حينه , وكان من اثار ما كان في الطفولة من المفاهيم .والقيم.الروحية التي تربيت. عليها وكبُرت في نفسي وترسخت الي ان اصبحت جزءا من شخصيتي , وكنت اجد اثرها في افكاري وفهمي للحياة ، وكل هذا التراث هو الذي يظل في الذاكرة فيما بعد ، وهناك الكثير مما يستحق. ان يذكر ، ومن اهم ذلك هي تلك التربية الروحية التي اسهمت في تكوين شخصيتى وافكارى فيما بعد ، اعترف انني ما زلت اجد الكثير من آثارها في حياتي ولو بعد حين ، انها تمنحنا فهما للحياة مختلفا عما الفناه ، وكل ما يصادفنا من الاحداث يخضع لتلك المفاهيم. التي. توجه افكارنا وتتحكم فيها ، اعترف. بأثر ذلك في نظرتي. وفهمي للحياة فيما بعد , وكنت اشعر باثر تلك النظرة الايمانية العميقة المعبرة عن حقيقة التصوف.الروحي الاصيل كمنطلق للفهم. ، بان كل شيئ. في الوجود. بامر الله وهو الذى يوجه القلوب لما مقدر لها ومن منطلق الحكمة ، ولا شيئ خارج الحكمة الالهية بكل ابعادها. وتجلياتها ،الكونية , واعترف باثر ذلك في تكويني فى تلك الفترة ، وهي تعبر عن . الشعور. بذلك الفضل الالهي علي العباد ، وكنت افهم كل ذلك من خلال المراتب الثلاث كمنطلق لتلك العناية الربانية : الحفظ الالهي اولا والرعاية. ثانيا والتولية ثالثا ، وهي اعلي المراتب فى فهم معنى العبدية لله ، هناك نظرة تكاملية في فهم الاسباب الظاهرة من حيث ترابط الاقدار الخفية بالاسباب الظاهرة ، الاسباب الظاهرة تخفي في داخلها سر الارادة التي توجه القلوب لما ار اده الله ، وكنت علي يقين من كل ذلك كحقيقة ايمانية ، ما زالت تلك المصطلحات الروحية في ذاكرتي ، واعيد التأمل فيها من جديد. واحاول فهمها من خلال ذلك التأمل الذاتى , واجد سعادتي فيه ، لم اكن ابدا خارج الاسباب الظاهرة التي يدركها العقل ، وهذا منهجي في فهم الاحكام كمنطلق لمنع الانزلاق ، ولكن هناك ما هو اعمق وارسخ ، وهو الحكمة والتدبير ، ولا شيئ خارج التدبير الالهي المحكم والمعجز ، وكنت أجد العدالة الالهية فيما يجري في الوجود كحقيقة ايمانية ، ولا بد الا ان تكون وان. خفيت احيانا او تأخرت ، واعتقد ان كل ذلك كان بتأثير تلك التربية الايمانية الاولي التي تلقيتها في الطفولة . من السيد النبهان طيب الله ثراه ، وكان يفسر لي الاحداث تفسيرا ايمانيا مخالفا لمنهجية العقول , واذكر اننى شكوت اليه من استاذى كان يضايقنى , قال اصلح علاقتك بالله ينصرف ذلك الاستاذ عنك , وكان يقول لى لا تنشغل بالاسباب , فالله هو محرك القلوب لما يريده ، وكان يردد في مجالسه كلمة الادب مع الله ،كمنهج. للفهم والتسليم القلبي. بكل ما قدره الله من منطلق العبدية لله والخضوع. له ، وهناك الكثير مما كان في حياتي من تلك الاثار الروحية ، وكنت احاول فهم كل ذلك من جديد ، وابحث عما هو خلف الاسباب الظاهرة ، لا يمكن للوجود الا ان يكون كما هو عليه كمالا ، وان ينسب الفضل لله فيما اختاره للانسان من منطلق التدبير المحكم. ، واذكر في بداية حياتي العلمية والعملية انني عندما انتقلت من الدراسة الي التدريس في الجامعة لاول مرة. وجدت اثر ذلك في شخصيتي ، اعجابا. وغرورا ، وكنت اشعر في داخلي بالتميز عن الاخرين الي درجة الغرور ، احيانا لاتحتمل عقولنا ان تصمد عند النجاح. فنفرح ويصيبها الغرور الدال على الغفلة ، وتلك صفة لا يحبها الله من عياده, ومن كبـُر بنفسه غرورا لا بد الا ان يمتحن بما اغتربه ، وكل الذين كبروا بالغرور اعادتهم الحياة الي حجمهم وامتحنوا فيما اغتروا به لكي يستيقظوا من الغفوة ، وعندما تنسب الفضل لله وتحمده علي نعمه من كل قلبك. بصدق تتغلب علي ذلك الغرور ، وتلجأ الي الله شاكرا لانك تري كل ذلك من فضله عليك ، اعترف بما اصابني من ذلك الغرور ، وكنت في مقتبل العمر ممن فتحت لهم الطرق المقفلة ، وشعرت انني افضل من الاخرين , وأنني املك. ما لايملكون من العلم والفهم ، وتعلمت ان الغرور قاتل لصاحبه ويقوده الي النهايات لانه يدفع صاحبه لاقتحام الحصون المغلقة والمخادع الآمنة ، وكانك بذلك الغرور تتحدي الله في خلقه وتنسي فضل الله عليك وتكبر بالوهم وتنسى ضعفك ، ولولا فضل الله لما تمكنت من تحقيق ما انت فيه ، الكلمة. فيها سر ، ولها روح ، وعندما تفقد الكلمة سرها. تولد ميتة. ، ولا تترك اثرا في قلوب السامعين ، وأهم فضيلة في الكلمة. ان تنشرح القلوب لها ، وان تجد لها مكانا ، وفجأة. اكتشفت ان كل الابواب التي كانت مفتوحة لى قد اغلقت ، وشعرت بالضعف الانساني الذي لم اشعر به من قبل ،. واصابني شعور بالاحباط الشديد , واصبحت لا اقدر علي الكتابة ولا احسن ذلك , واستمرت تلك الحالة النفسية مدة عام كامل وكانت مرحلة قاسية. علي تفسي. وادركت حينها السر في ذلك، واعترفت به لنفسي في حواري الهامس الذي كنت اخاطب نفسي به ، وتذكرت كلمة السيد النبهان طيب الله ثراه وهو يحدثني عن موقف شبيه مر به في حياته ، عندما شعر بالاساءة والعقوق ممن اعتبرهم محبين له وصادقين ، قال : لقد اراد الله ان يخرجهم من قلبي لكي يتفرغ قلبى له ولا يتعلق الا بالله ، وشعرت بالعبدية لله وحده والا احد فى القلب الا الله ، تذكرت ذلك الموقف ، وادركت السر فيما انا فيه , واصلحت ما بي والتمست المدد من الله ، وفجأة وعلي غير توقع وجدت كل الابواب التي كانت مغلقة قد فتحت من جديد ، باكثر مما كانت من قبل ، وابتدأت مرحلة ايمانية روحية جديدة في حياتي لم اعهدها من قبل ، تذكرت كل ذلك بعد اكثر من خمسين عاما من ذلك الموقف ، وانا استعيد ما في الذاكرة من الاحداث التاريخية ، كم نحتاج الي تلك الذاكرة لكي نتعلم المزيد عن الحياة كما عشناها ، انها الحياة. ، وهي المدرسة التي نتعلم منها ما نحتاج اليه لفهم هذه الحياة التي ارادها الله ان. تكون كما هى عليه ، وان يكون الانسان هو المستخلف عليها والمؤتمن علي استمرارها. بوضع النظم العادلة. التي تعبر عن رقى الانسان واحترام الحياة فيما يختاره لنفسه من النظم وما يصدر عنه من افكار ..
اترك تعليقاً